ملفّ النازحين السُوريّين سيعود إلى الواجهة بقُوّة خلال الساعات القليلة المُقبلة، باعتبار أنّه سيكون مدار بحث بين وفد روسي رفيع، وكبار المسؤولين السياسيّين والأمنيّين في لبنان. فما هو مَضمون الرسائل التي يحملها المُمثّل الخاص للرئيس الروسي فلاديمير بوتين والوفد المُرافق إلى القيادات في لبنان، وهل من تحريك ميداني قريب لملفّ النازحين؟
بحسب أوساط سياسيّة مُطلعة إنّ الوفد الروسي إلى لبنان والذي يضمّ كلاً من المُمثّل الخاص للرئيس الروسي ألكسندر لافرنتيف ونائب وزير الخارجيّة الروسي سيرغي فيرشينين ومُساعديهما من دبلوماسيّين وعسكريّين، سيتناول مع كلّ من رئيس الجمهورية العماد ميشال وعون ورئيس مجلس النوّاب نبيه بري ورئيس الحكومة سعد الحريري ووزير الخارجية جبران باسيل، إضافة إلى قائد الجيش العماد جوزيف عون ومدير عام الأمن العام اللواء عبّاس إبراهيم، وغيرهم من كبار المسؤولين، العلاقات الثُنائية، وتطوّرات الأزمة السُورية، لا سيّما منها مُستجدّات المُبادرة الروسية لإعادة النازحين السوريّين إلى بلادهم، وسُبل مُساعدة لبنان في خطّطه لحلّ هذه المُشكلة، إضافة إلى المشاريع المُستقبليّة لإعادة الإعمار في سوريا. وكشفت هذه الأوساط أنّ الوفد الروسي سيُوجّه أيضًا دعوة رسميّة للبنان للمُشاركة في الدورة رقم 13 من مؤتمر «أستانا» (جرى في الماضي القريب تبديل إسم عاصمة كازخستان من «أستانا» إلى «نور سُلطان») والذي سيُعقد في تمّوز المقبل، وذلك ضُمن دعوات ستشمل دُولاً أخرى تستضيف أعدادًا كبيرة من اللاجئين على أراضيها، باعتبار أنّ بند النازحين سيكون مُدرجًا في جدول أعمال المُؤتمر الذي يبحث في التسوية النهائيّة للأزمة السُوريّة.
ولفتت الأوساط السياسيّة المُطلعة إلى أنّ الخلافات اللبنانيّة الداخليّة تلعب دورًا مُهمًّا في عرقلة عودة النازحين بالحجم الفعّال المطلوب وبالسرعة المَنشودة أيضًا. وأوضحت أنّ المسؤولين اللبنانيّين يُجمعون كلّهم على حقّ العودة، وعلى تأييد مُطلق أي مُبادرة دَوليّة في هذا المجال، لكن عند وُصول الأمور إلى البحث في التفاصيل، تبرز التبايُنات في الآراء، ويسمع المَبعوثون الدَوليّون ما يُمكن وصفه بخُطابين مُختلفين! وأضافت الأوساط نفسها أنّ وزير الخارجية الذي كان وصف بالأمس القريب، من ينعته بالعُنصري حين يتحدّث بلغّة حازمة عن عودة النازحين السُوريّين إلى بلادهم بأنّه «إمّا مُستفيد أو متآمر»، مُصرّ على المُضيّ قُدمًا في الإجراءات والضُغوط الميدانيّة التي تُسرّع برأيه، في نهاية المطاف، عودة اللاجئين إلى بلدهم. وكشفت الاوساط أنّ الوزير باسيل سيعمل على أكثر من خطّ في هذا السياق، لجهة الإستفادة من إجراءات كلّ من وزارتي العمل والإقتصاد لضبط اليد العاملة السوريّة غير الشرعيّة بالتزامن مع إستمرار الحملة السياسيّة والإعلاميّة على كل المُتلكّئين عن حلّ هذا الملفّ، وخُصوصًا لجهة تأمين الغطاء المَعنوي والسياسي لتنفيذ خُطة وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب بشأن إعادة اللاجئين، بالتزامن مع الترحيب بأي جُهود دَوليّة تؤمّن العودة، وفي طليعتها الجُهود الروسيّة.
وتابعت الأوساط السياسيّة المُطلعة أنّ رئيس الحكومة يرفض في المُقابل أن يتمّ إتخاذ أي إجراء تطبيقي ضُدّ النازحين خارج إجماع مجلس الوزراء، خاصة أنّ حلّ هذا الملفّ لا يقتصر على بعض الخُطوات التطبيقيّة من الجانب اللبناني، بل يرتبط بغطاء سياسي ومالي إقليمي ودَولي، وكذلك بضرورة حُفط أمن وكرامة النازحين السُوريّين بعيدًا عن التصرّفات والخُطابات العُنصريّة والتعسّفيّة ضُدّهم. ولفتت الأوساط إلى أنّ البيان الذي صدر أخيرًا عن وزيرة الداخليّة والبلديات ريّا الحسن والذي جاء فيه أنّه «لا يجوز تناول هذا الموضوع (ملف النازحين) بخلفية فئويّة وشعبويّة، ولأغراض حزبيّة وشخصيّة»، وبأنّ «وزارة الداخليّة هي الوزارة المعنيّة بانتظام عمل البلديّات والحفاظ على النظام العام ضُمن نطاق كل منها»، جاء ردًّا على تصريحات لوزير الخارجيّة في الأيّام الماضية بشأن النازحين ودور البلديات في مُعالجة هذه المُشكلة، الأمر الذي يُظهر حجم الإنقسام اللبناني إزاء ملفّ النازحين، علمًا أنّ أطرافًا أخرى تميل إلى هذا الرأي أو ذاك، أو تقف في موقع وسطي بينهما.
وكشفت الأوساط السياسيّة المُطلعة أنّ المُجتمع الدَولي مُنقسم أيضًا إزاء سُبل حلّ أزمة اللاجئين، وتوقيت هذا الحلّ، حيث تُحاول روسيا إحراز تقدّم في هذا السياق، لإنجاح جُهودها بحلّ الأزمة السُوريّة ككل، بينما تعمل جهات إقليميّة ودَوليّة عدّة، على تأخير حلّ أزمة النازحين عمدًا، من خلال رفض تمويل العودة وتمويل إعادة الإعمار ككل، وذلك بهدف إبقاء «أوراق التفاوض» قائمة، في إنتظار بتّ الحلّ النهائي للحرب السُوريّة، خاصة وأنّ الولاية الرئاسيّة الحاليّة للرئيس السُوري بشّار الأسد والتي كانت قد جُدّدت في حزيران من العام 2014، تستمرّ حتى العام 2021، الأمر الذي يدفع بعض القوى الإقليميّة والدَوليّة لإبقاء الضُغوط المُختلفة قائمة، ومنها أزمة اللاجئين في دول الجوار، على أمل ربط حلّ كل هذه المشاكل بهذا الإستحقاق وولاية الرئيس الأسد.
وخلصت الأوساط السياسيّة المُطلعة إلى القول إنّ عمليّات إعادة النازحين السُوريّين عبر دُفعات جَماعيّة من تنظيم الأمن العام اللبناني ستستمرّ، لكنّها تبقى غير كافية لحلّ الأزمة، شأنها في ذلك شأن الإجراءات المُتشدّدة التي بدأت تُنفذها بعض الوزارات والبلديّات، لضبط إقامات النازحين السُوريّين في لبنان، ولوقف اليد العاملة المُخالفة، وهي إجراءات لم تُسفر حتى تاريخه سوى عن إنتقال هؤلاء النازحين من منطقة إلى أخرى! وتوقّعت أن تلقى المُبادرة الروسية لإعادة تنشيط خطة إعادة النازحين، كل الترحيب والتأييد من الجانب اللبناني من الناحية النظريّة، لكنّ ما لم تكن هذه العودة آمنة وتحظى بغطاء دَولي عند بدء الإجراءات العملانيّة لتنفيذها، فإنّ رئيس الحُكومة لن يُوافق عليها، حتى لوّ أسفر ذلك عن إضافة مُشكلة مع وزير الخارجيّة، تُضاف إلى المشاكل الأخرى التي بدأت تتراكم بين الطرفين، تارة بشكل علني وطورًا بشكل سرّي!