أقفل الأسبوع الماضي على وقع محاولات لفبركة ملفّات قضائيّة، باءت كلّها بالفشل ليس لأنّها باطلة فقط، بل لأنّ صوت الحقّ ما زال صادحاً في ساحات الوغى، وسط حشرجة المغرضين البائسين تحت وقع أصوات الحقيقة التي تصدح في الساحات كلّها؛ وعاجلاً أم آجلاً سيعلو صوت الحقّ، ولن يُعلى عليه. لكن تبقى الإشكاليّة المطروحة اليوم بالآتي: هل سيتمّ إعلان فشل خطّة الانقضاض بوساطة القضاء؟ وترى ما هي الخطّة البديلة؟
ممّا لا شكّ فيه، أنّ القضاء اللبناني لا يخلو من القضاة النّزيهين الذين يرفضون الانصياع لهذا “الدويتّو” المكوّن من المنظومة ومنظّمة “حزب الله” التي تحميها وتُسَيِّر أعمالها وشؤونها. وهذا ما لمسه اللبنانيّون في محاولة الانقضاض على ملفّ التحقيق في قضيّة المرفأ الذي أفشله القضاء، إلا أنّ هذا الكمّ من الإسفاف الذي يَسِمُ هذا الفريق، جعله يحاول فبركة الملفّات الأمنُ- قضائيّة بحقّ الحزب المسيحي الأكبر، أي “حزب القوات اللبنانيّة”، في محاولة لإسكاته، لأنه الوحيد الذي يواجه بكلّ ما أوتي من قدرات تنظيميّة وعقائديّة هذا “الدويتّو”.
ولكن الفشل الذي مُنِيَ به ناجم عن أنّ أصوات الحقّ باتت كثيرة، والخوف لم يعد له مكان في القلوب. لذلك كلّه سقطت المحاولات التي قادها هذا “الدويتّو” قضائيّاً وأمنيّاً حيث تمّت مواجهتها شعبيّاً، ودينيّاً، ووطنيّاً من أعلى المراجع. فضلاً عن أنّ هذا النوع من المواجهات ينمّ عن الفشل الذريع الذي وضع نفسه به. لذلك، تشتدّ خطورة هذه المرحلة المقبلون عليها، لأنّه لن يستطيع إسكات النّاس كلّهم، ولا المراجع الدينيّة كلّها، ولا القامات الوطنيّة كلّها. وخوف هذا “الدويتّو” سيدفعه نحو الأخطر، وهذا ما سيشكّل نهايته حتماً.
من هنا، الاحتمالات كلّها مفتوحة، ولا يعرف أحد ما قد يقدم عليه متى تمّ حشره في الزاوية. فبالرغم من محاولاتهم البائسة باللعب على وتر المفاوضات الإقليميّة، وإظهار محورهم بموقع المنتصر، يتبدّى فشلهم أكثر من ذي قبل. فالمحاور كلّها لا تعنينا، لأنّ صوت الحقيقة أعلى من الأصوات كلّها، وبما فيها طبول الحرب التي يهوّلون برعدها. لا نريد حرباً، نحن دعاة سلمٍ وسلامٍ داخلي ينطلق من القلب ويصبّ فيه. ما يريده اللبنانيّون اليوم واضح وضوح الشمس. المطلوب عيش كريم، وحياة هانئة، وسلم وسلام، واستقرار وديمومة.
وهذا كلّه لن يتحقّق إلا بالمواجهة الحقيقيّة لأنّها وحدها تؤمّن وصول الحقيقة لخواتيمها.
حادثة تفجير مرفأ بيروت هي حادثة العصر والألفيّة الثالثة، ولن تمرّ من دون الكشف عن مرتكبيها ودوافع المخطّطين والمنفّذين. ومحاولة حرف التحقيق في هذه الجريمة ليتطابق وأجندات المحور الإيراني الإقليميّة والدوليّة، هي محاولة ساقطة سلفاً، لأنّها بعكس مسار التّاريخ. وأيّ تحقيق يتمّ حرفه، مهما يطول الزّمن، ستُكشَفُ حقائقه. وما يحاولون إخراجه في حوادث عين الرمانة الأخيرة، تبيّن أنّه إخراج بوليووديّ لا يصدّقه أيّ عقل بشريّ، لا سيّما بعد انكشاف الحقائق بواسطة مواقع التواصل الإجتماعيّ، والتحقيقات الإعلاميّة التي جهد الإعلاميّون بإجرائها لجلاء الحقيقة؛ وقد انجلَت وباتت واضحة وضوح الشمس.
هذا ما يدفع كلّ قارئ إلى استنتاج وحيد مبنيّ على المقدار المرتفع من المأزوميّة التي وضع بها هذا “الدويتّو” نفسه مفاده التصعيد الذي قد يعود إليه، ما قد يفتح الباب على مرحلة اغتيالات سياسية. وفاته أنّ مقدار المأزوميّة الذي وضع نفسه به قابله مقدار منخفض جدّاً من الخوف الذي لن يستطيع استخدامه بوجه مَن قرّر مواجهته. وهذا ما لم يكن يستنظره هذا “الدويتّو”، بل كان يظنّ أنّه سيستطيع الإطباق على ما تبقّى من أصوات للحقيقة لوأدها في مهدها قبل تجلّيها؛ لكنّه تأخّر كثيراً هذه المرّة.
نحن أمام أسبوع سيكون حافلاً أمنيّاً على وقع تسريبات بتهديدات من جهات كان يظنّها هذا “الدويتّو” حليفة له. فقد يقدم على عمل ما ليعيد خلط الأوراق مع حلفائه الإقليميّين. لكن لهذه الجهات الدّوليّة والإقليميّة حساباتها، ويبدو أنّها باعته عند المفترق الأوّل. ولقد بات أمام واقع جديد اليوم، سرعان ما سيتجلّى بنتائج جديدة للمفاوضات الإقليميّة؛ على ما يبدو أنّها ستكون الوسيلة الأنجع لخفض تصعيده، لأنّ هذا الواقع الذي نحن بتنا فيه لا يناسب المستقبل الإقتصادي الذي تنتظره منطقة شرق المتوسّط. والأيّام القليلة القادمة ستكشف المستور قضائيّاً، وأمنيّاً، ومفاوضاتيّاً. فنحن دخلنا عمليّاً زمن انكشاف الحقائق. وهذا ما لن يستطيع أحد مواجهته. ومَن له أذنان للسّماع… فليسمَعْ !