Site icon IMLebanon

قانونيون لبنانيون يؤكدون دور السلطة في تقويض القضاء اللبناني

 

يشهد القضاء اللبناني انقساماً سياسياً وطائفياً غير مسبوقين على خلفية التحقيقات في انفجار مرفأ بيروت، بحيث بات معظم اللبنانيين يرون أن سقوط هذه المؤسسة، التي يفترض أن تكون المرجع والحَكَم في كل القضايا الخلافية، يعني سقوط الدولة ودخول لبنان في المجهول.

وبعد 3 سنوات على انفجار مرفأ بيروت وما شهدته التحقيقات في هذه القضية، انفجر القضاء اللبناني من الداخل وانقسم على نفسه مع حرب الصلاحيات التي انفجرت في الأيام الأخيرة؛ بين مدّعي عام التمييز القاضي غسان عويدات، والمحقق العدلي في انفجار المرفأ القاضي طارق البيطار، وما يرافق هذا الأمر من انقسامات سياسية وطائفية، بحيث بات كل طرف أو جهة تدافع عن القاضي المحسوب عليها سياسياً وطائفياً.

ويحذّر الوزير السابق ونقيب محامي طرابلس السابق رشيد درباس، من خطورة ما وصل إليه القضاء من انقسام سياسي وطائفي جاء نتيجة مسار طويل من الممارسات الخاطئة، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «أمارس المحاماة منذ عام 1969، لم تكن المراكز القضائية يوماً محسوبة على طائفة معينة، لكن اليوم تم تطييفها وبات كل موقع لطائفة معينة، بحيث أصبح كل قاضٍ يريد الحصول على مركز معين يذهب إلى زعيم طائفته، وهو ما أفقد القضاء استقلاليته وبات الانتماء هو الأساس».

ومع الدعاوى المتبادلة بين القضاة، يقول درباس: «القضاء اليوم في أسوأ مرحلة يمكن أن يتخيلها المرء، حيث إن السلطة الأعلى المسؤولة عن الضابطة العدلية والحق العام (أي القاضي عويدات) ملاحق بتهمة حفظ الملف، في وقت هو يعد أن المحقق العدلي أخذ جزءاً من صلاحياته، وبالتالي يستطيع ممارسة بعض صلاحياته وإطلاق سراح الموقوفين».

من هنا، يعد درباس أن «المطلوب اليوم لإنهاء التفلت غير المقبول، أن يتدخل رئيس الحكومة ووزير العدل بحزم عبر الطلب من الرئيس الأول لمحكمة التمييز استدعاء الهيئة العامة واتخاذ القرارات اللازمة، بغض النظر عن التجاذبات التي باتت تأخذ منحى طائفياً».

ولا تختلف كثيراً وجهة نظر رئيس المجلس الدستوري السابق شكري صادر، وإن كان يبدو أكثر تشاؤماً، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «واقع القضاء اليوم يأتي نتيجة محاولات السلطة الحاكمة منذ عام 1990، بما تملك من قدرات تخريبية وأجندات، لتقويض قصر العدل، إلى أن نجحت للأسف اليوم في إسقاط القضاء الذي سيكون وقعه على اللبنانيين أكبر من وقع انفجار المرفأ الذي أرجئت قضيته إلى ما لا نهاية»، حسب تعبيره. ويوضح أن «هذه المحاولات تجسدّت عن طريق إدخال أزلام الجهات السياسية إلى القضاء، وهم صاروا بؤراً، ومن ثم تحولوا إلى جزر، مقابل قضاة آخرين شرفاء رفضوا الاستزلام رغم كل ما تعرضوا له من ضغوط لجهة منعهم من التقدم، وهؤلاء يمكن تسميتهم بالقضاة المقاومين». وفيما يشبه فقدان الأمل مما وصلت إليه الأمور، يقول صادر: «كنا نأمل في أن يأتي يوم ونتخلص فيه من هذه الطبقة الفاسدة لتأتي طبقة سياسية تريد دولة القانون يكون القضاء عمودها الفقري، لكن للأسف هذا الأمر لم يتحقق ووصلوا إلى مرحلة يتحكمون بالقضاء وقراراته، وهو أول ما بدا جلياً في تعاطيهم مع انفجار مرفأ بيروت، حيث رفضوا التحقيق الدولي متحججين بعدم ثقتهم به، ووعدوا الشعب اللبناني آنذاك بالوصول إلى الحقيقة في 5 أيام، وهذا ما أظهر النية المبيتة لهم بأنهم يريدون تحويل القضية إلى حيث يشاءون».

ويتحدث صادر عما يسميها «عصفورية قضائية وسباقاً على الصلاحيات، حيث كل قاضٍ يقرأ كما يريد، في مشهد لم يمر على تاريخ لبنان، ولم تشهده دول العالم، حيث القضاة يرفعون الدعاوى بعضهم بوجه بعض، في وقت يتفرج فيه المسؤولون على تدمير قصر العدل، وصولاً إلى تدمير كل السلطات».

وفيما يقرّ صادر بسقوط القضاء في هذه المرحلة، يقول: «هناك فرق بين ربح معركة وربح الحرب. اليوم نجحت السلطة بدهائها أن تقسم القضاء، وأن تفجّر قصر العدل»، لكنه يحذر في المقابل من تداعيات هذا السقوط بالقول: «سقط في انفجار المرفأ أكثر من 220 قتيلاً، لكن انفجار القضاء سيقتل معه 5 ملايين لبناني والدولة اللبنانية بأكملها».

ويذكّر صادر بمسار التحقيق من إقصاء المحقق العدلي فادي صوان، عندما طلب استجواب مشتبه بهم، وهو ما يرى فيه بداية الإخفاق القضائي والنقطة السوداء، حيث إن «المحقق العدلي لا يرد»، والأمر لم يختلف مع المحقق العدلي الجديد، أي طارق البيطار الذي عيّن بديلاً عن صوان، وهو الذي بذل جهده ليذهب حتى النهاية في القضية التي تندرج ضمن شقين أساسيين؛ الأول: هوية أصحاب الباخرة الذين أحضروا نيترات الأمونيوم إلى المرفأ، والثاني: أين ذهبت كمية النيترات التي لم تنفجر والتي كانت تقدر بنحو 2200 طن، وبالتالي سيكون التحقيق ناقصاً إذا لم يتم استجواب وزير الأشغال آنذاك، في إشارة إلى النائب الحالي غازي زعيتر، الذي هو قريب مدعي عام التمييز غازي عويدات، وكل من يعلم بوجود النيترات وخطورتها ولم يحرك ساكناً. وهنا يلفت صادر إلى أن المضايقات على البيطار كانت عبر طلبات الرد التي تقدم؛ الواحد تلو الآخر، ممن طلب استجوابهم ويملكون غطاء سياسياً، ويعدون أنفسهم فوق القوانين، إضافة إلى التهديد برفع الإصبع وإرسال التهديدات إلى قصر العدل، في إشارة إلى تهديد المسؤول في «حزب الله» وفيق صفا للبيطار، وفق المعلومات المتداولة، وكلها محاولات واضحة كانت تهدف إلى رفع يده عن الملف، وهو ما حصل خلال سنة و3 أشهر عبر رفع يده مقابل سوء نية ومشاركة من السلطتين التشريعية والتنفيذية، وصولاً اليوم، إلى إرجاء قضية المرفأ إلى ما لا نهاية، عبر الدعاوى المتبادلة بين القضاء وإطلاق سراح الموقوفين.