Site icon IMLebanon

الفاخوري والقضاء اللبناني

 

اختلف مع الّذين اعتبروا أنّ «الفاخوري متل ما بدّو بيركّب دينة الجرّة»، تخيّلوا وزير القصر والعهد القوي سارع بالأمس لإعلان «تبرّي رئيس الجمهورية من موضوع الإفراج عن العميل عامر فاخوري»، تخيّلوا «قال ما معو خبر»!! بصراحة الأزمة التي هزّت أبواب القضاء اللبناني ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، وبعيداً عن حديث «الصفقة»، ستبقى هكذا أحكام هزيلة تصيب اللبنانيين بصدمة حقيقيّة، خصوصاً وأنّ في لبنان مشرّعين قضائيين عمالقة، يتوجّب عليهم أن يطلعوا بقوانين تتناسب مع هذه الجرائم الكبرى والتي يفترض أن لا تسقط بانقضاء المدّة الزمنيّة، هذه ليست جريمة عاديّة، بل جريمة عمالة وعمل لصالح العدوّ ضدّ الشعب اللبناني!

 

الملاحظة الأولى أنّنا لا نملك مفهوماً واحداً يفرض تعريفاً واحداً وواضحاً للعمالة، لأنّ تهمة العمالة عند اللبنانيّين المنقسمين ليست واحدة، هناك عملاء يطلق عليهم صفة «وطني» وما أكثرهم! فالعمالة لسوريا وإيران تسمّى «مقاومة وممانعة» أمّ العمالة لإسرائيل وأميركا فـ»يا لطيف» هي رجس من عمل الشيطان، وتصنيف العملاء في لبنان يخضع للكفّة الغالبة، وبما أنّ كفّة سلاح حزب الله الإيراني هي الغالبة هذه الأيام فهو الذي ينفرد بتوزيع تهم العمالة من عميل للعدو الإسرائيلي إلى عميل للسفارة الأميركيّة!

 

لماذا قلنا أنّ هذه الأزمة ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة بالتأكيد، لقد سبق وعاش لبنان قبل سنوات قليلة أزمة كبرى عندما كشفت الأجهزة الأمنيّة تورّط «العميل السوري» ـ صديق المقاومة ـ بنقل موادّ متفجّرة بسيارته ـ التي تتّسع لحماريْن ـ لتنفيذ أعمال إرهابية واغتيالات في لبنان لزعزعة أمنه ونشر الفتن التي قد تودي إلى حرب أهليّة… والمشكلة في قضية سماحة وفي قضية عامر الفاخوري تتعلّق بالقوانين القضائية، فالقانون في قضيّة سماحة تعامل بواقع نصوصه مع القضيّة على أنّها نقل سلاح لا على أنّها جريمة إرهابيّة تحضّر لجرائم إرهابيّة، فسمح هذا بأن يكون عقابه سنوات سجن هزيلة، لأنّ القانون اللبناني لم يطوّر نفسه ليتعامل مع الجرائم الإرهابيّة وتطوّر مفهوم الإرهاب أكثر بكثير من مجرّد إحالة جريمة اغتيال على المجلس العدلي.

 

في قضية العميل عامر الفاخوري، لا يتضمن قوانين واضحة في موضوع العمالة، تعامل القانون مع جريمته كجريمة عاديّة سقطت بمرور الزمن عليها وليس أكثر.. إذن انقضت المدّة وأطلقة المحكمة العسكريّة التي تشتكي جهات كثيرة من أنّ حزب الله يسيطر عليها، آخر الليل تذكّر الجميع موضوع عمالة الفاخوري، واستهولوا الإفراج عنه، وسيغادر الفاخوري الأراضي اللبنانيّة، والكلّ يعرف أنّ وراء الأكمة ما وراءها، وأنّ ثمّة صفقة من تحت الطاولة بين إيران وأميركا، والتبادل بين الطرفين ستفضحه الأيام المقبلة، فلا داعي لا للبيانات ولا للهوبرات على ضفاف قضية العمالة والعملاء!

 

مشكلتنا الحقيقيّة تكمن في تعريف واضح للعميل، فالعمالة عمالة سواء أكانت لإيران أو لإسرائيل، عندما يتمّ التوافق على تعريف واضح وموحد ستنتهي كلّ هذه الأزمات، وعندما توضع القوانين التي تنص بوضوح على الأعمال الإرهابيّة وكلّ ما يمت إليها بصلة لا يعود هناك خلاف على توصيف عمل إرهابي بأنّه نقل للمتفجّرات والسلاح بالرّغم من أنّ هدفه الاغتيال وتفجير البلد، ولكن، هل سيسمح للقضاء أن ينصّ على هكذا قوانين بصراحة ما دام هناك حزب لبناني يملك ترسانة صواريخ وسلاح تدين بالولاء وترتهن لأوامر إيران وأجندتها ويفرض على اللبنانيين تصنيف نفسه تحت عنوان «مقاومة»، نعم، علينا أن نسأل كيف سنصل إلى مفهوم موحّد للعمالة؟