Site icon IMLebanon

قيادات لبنانية وإقليمية تبحث عن مخارج لأزمة خارجة من أزمات وصراعات

قيادات لبنانية وإقليمية تبحث عن مخارج لأزمة خارجة من أزمات وصراعات

جمهورية تواجه عاماً كاملاً من الانهيارات والكبوات

والشغور يبدو أقوى من سواه في ميزان المعالجات

وصلت أوضاع الجمهورية الى الحضيض، والحوار بين الكبار، استهلكه الصغار، لم يعد أحد ينقصه الحياء، أو الخجل، ليدلي بدلوه في التطورات السيارة.

وحتى النواب غرقوا في النار الاغريقية التي كان يُقال إن المياه لا تطفئها.

ويقول المراقبون السياسيون إن الرئيس سعد الحريري العائد من جولات اقليمية ودولية، يستعد للإدلاء بمواقف يضع فيها حداً للتأويلات والتكهنات، ويجعل الكلام على مستوى الكبار، ويقطع الطريق على اجتهادات الصغار في تفسير المواقف المنسوبة الى الكبار في خضم أزمة سياسية يصعب الخروج منها بسهولة.

برزت الجمهورية أواخر الأسبوع، بروز الرجل الخائب، الذي يبحث عن مخرج يضيء الطريق ويبدد النور الخافت في دهاليز الأزمات.

لفت الأنظار كلام للكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في البترون، يدعو فيه من بلاد الوزير الشهيد الدكتور اميل البيطار، اللبنانيين الى الجلوس الى طاولة الحوار، والشروع في مناقشة الواقع الصعب والاتفاق أو محاولة الاتفاق على اختيار رئيس جديد للجمهورية.

للمرة الأولى يكف فيها الكاردينال عن الكلام المباح كل لحظة للنزول الى البرلمان لاختيار رئيس الجمهورية.

لمع منذ مدة، شعار أطلقه الوزير الشهيد بيار أمين الجميل بتحب لبنان… حب صناعته. ومن يومها أضحى شعار وزير الصناعة هدفاً يردده اللبنانيون، عشرات المرات كل يوم. في الاسبوع الماضي، لمع شعار جديد في الأذهان: بتحب لبنان انتخب له رئيساً للجمهورية.

الآن تبدل الشعار القديم، وصار الكاردينال بدو من الناس أن يجلسوا الى طاولة الحوار، ليتفقوا على اختيار رئيس جمهورية.

الجمهورية في أمسّ الحاجة الى رئيس، لكن ليس اي رئيس يتجمع حوله عدد من النواب، ولا يؤمنون نصاباً لانعقاد الجلسة النيابية واختيار الرئيس العتيد للبلاد.

أطلق الرئيس العماد ميشال عون في الاسبوع الفائت مبادرة تحولت الى معجزة، والمشكلة أن لا فريق يرفضها بالجملة أو يقبل بها بالمفرق. والواضح أنه الرئيس المؤهل للقيادة، والرئيس الذي يرفضه كثيرون في موقع القيادة.

اقترح العماد عون انتخاب رئيس على مرحلتين، الأولى يختار فيها المسيحيون اثنين هما الأكثر قوة شعبياً، وفي الثانية يختار اللبنانيون جميعاً الأكثر جدارة.

أدرك الجنرال حراجة الموضوع، فاقترح اجراء انتخابات نيابية، ليختار اللبنانيون القرار الفصل، بين التمديد والتغيير خصوصاً وان المجلس النيابي الحالي، مددوا له مرتين، وهذه معضلة سياسية لا هدنة بين التجميد والتفعيل.

الا ان القصة انفجرت بين زيارة قام بها وزير الداخلية نهاد المشنوق للرابية وأضفى على الجنرال أوصافاً لا يمنحها سواه من تيار المستقبل، على زعيم سياسي تراوده أحلام رئاسية. الا ان العقدة طلعت برأس وزير الدفاع سمير مقبل، الذي يعتقد أنه يملك مفاتيح التمديد للقيادة العسكرية، ويحذره العماد عون من التمادي في تفعيل التعيينات، في حين ان القرار في مكان آخر، ولو كان القرار موجوداً في حوزة سواه.

والمشكلة أن معظم قادة تيار المستقبل لا يحبون جنرال الرابية، لكن للقصة عقدتها بين طرابلس وبيروت والضاحية الجنوبية، وفي بعلبك.

وأروع ملاحظة بين المبادرة والمناورة أن الجميع خائفون من التداعيات الاقليمية والمحلية، أو من دون اتخاذ أي موقف يفصل بين المبادرة والمناورة أمام مصير جمهورية غارقة في جحيم المداورة السياسية.

وعلى مسافة عام يفصل بين الاستحقاق الرئاسي والجمود السنوي، تبدو الأزمة السياسية معقدة، بعد انقضاء عام كامل على الشغور في موقع الرئاسة الأولى.

كان الرئيس سليمان فرنجيه يجلس في منزل صهره رودريك الدحداح الكائن في شارع البطريركية في بيروت، عندما سأله سياسي عريق اتصل به ليسأله عن حظوظه الرئاسية، فرد بهدوء: لا تقل شيئاً، ويفصلنا أكثر من عام على الموعد، خصوصاً ونحن في بلد تتبدل فيه الأمور وتتغير كل ٢٤ ساعة.

وضع الرئيس فرنجيه سماعة الهاتف على مربضها، ثم نظر في وجوه سامعيه والحاضرين، وكلها شاخصة اليه بقلق وشوق الى سماع عبارة تهدئ من قلقهم وقال: لبنان لا يتغير في طبيعته. إنه بلد المفاجآت، والمفاجأة الكبرى، اننا ننام على خبر، ونستيقظ على مفاجأة.

قبل أسبوع أخذت المفاجآت تظهر، الواحدة تلو الأخرى: داعش خطفت الانتصارات الأمنية من دولة الانتصارات السياسية في سوريا. والرئيس بشار الأسد واجه كارثتين في أسبوع واحد: المحكمة الدولية في لاهاي تصغي تباعاً الى الشهود، ومعظمهم يروون أمامها، وللرأي العام الدولي، بأن وجوهاً بارزة في النظام السوري، متهمون باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وان الحوار القائم بين تيار المستقبل وحزب الله يكاد ينهار أمام تهديدات الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، ونائبه الشيخ نعيم قاسم، واتهامات رئيس كتلة المقاومة النيابية محمد رعد، باطلاق التعبئة العامة، وهذا يعني اندثار الحوار وقيام مواجهة لا حدود لها، خصوصاً بعد انتصار داعش وأخواتها على النظام السوري، وإخفاق معظم الجهود للفصل بين مواقف الحزب، وآراء الرئيس ميشال عون، المؤمن بحقه في رئاسة الجمهورية، واصرار معظم اركان المستقبل على استبعاده من لعبة الحظوظ وامكانات الفوز، وترجيح الخيار الداعي الى خروجه من المعركة الرئاسية وترجيح فكرة اتفاقه مع الدكتور سمير جعجع على مرشح ثالث يقود الجمهورية ولا يطفئ جذوة القيادة عنده.

الا ان التطورات الأخيرة في سوريا، في القلمون وجوارها، واعلان حزب الله التعبئة جعلت وزيري الخارجية في الولايات المتحدة والاتحاد الروسي يجرون اتصالات سريعة خلال الثماني والأربعين ساعة الأخيرة، للتداول في الأخطار المحدقة بالوجود المسيحي في لبنان وسوريا، بعد انهيار هذا الوجود في العراق، وعجز الادارة العراقية عن مواجهة ما يتربص بها من أخطار، خصوصاًَ في جوار قاعدة الحبانية العراقية، التي كانت احدى المعاقل الأساسية لنظام صدام حسين، وحزب البعث في أوج قوته العسكرية.

ووصلت الى بيروت معلومات تشير الى أن الرئيس بشار الأسد رفض نصائح أسديت الى أركان نظامه، تدعو الى احتواء هذه الأخطار والبدء بحوار دولي يرمي الى اسداء نصائح باللجوء الى محادثات دولية سريعة وهادئة في آن لتدارك الأخطار المحدقة بالأوضاع، من جراء تعاظم نفوذ داعش، واتساع المساحة التي أصبحت في حوزتها، وهذا يرجح كفة نفوذ حزب الله في لبنان وسوريا. وتدعو هذه المعلومات الي طرح موضوع الوجود المسيحي، ومستقبله في المدى المنظور والبعيد، ودعوة الافرقاء جميعاً الى مواجهة ايجابية لاسلبية، الأوضاع بما تكتنفه من مخاطر.

الا ان الاوساط العليمة ترى وجوب البحث في الواقع اللبناني بتأنٍّ وحذر كفيلين بكبح جماح الاندفاعة التكفيرية بعد هيمنة داعش على تدمر، وانسحاب الجيش السوري من مواقعه فيها.

وترددت أمس معلومات تفيد عن اجتماعات على جانب من الأهمية كبيرة، ستعقد منتصف الأسبوع، كما بين الرئيسين نبيه بري وتمام سلام، لمعالجة التطورات السياسية الجديدة، في ضوء معلومات عن اجتماع مسيحي موسع سيعقد في بكركي خلال الساعات المقبلة، من أجل تقويم التطورات الجديدة، في ضوء مرور عام على الشغور الرئاسي في موقع رئاسة الجمهورية.

الا ان ما حدث في تدمر وما يحيق بسواها من اخطار، ودعوة حزب الله الى التعبئة العامة، والاقدام على نفي هذه الاخطار، يوحي بأنه لا يمكن الاستهانة بما حققته داعش، ويؤكد أن ما يحدث لا سابق له على سعيد التطورات العسكرية.

ما الفرق بين ما كان يجري، وما أصبح يظهر على رقعة الأحداث؟

وهذا ما يحتم العودة الى ما كان يجري في الستينات والسبعينات على هذا الصعيد، ويقول المفكر رفيق خوري في كتابه من سنوات المحنة والمهنة، ان موسكو فوجئت في العام ٢٠٠٨ بما حدث وفاجأت بيروت يومئذٍ، باعطائها أكثر مما كانت تطلبه أو تتوقعه.

وبعض المراقبين يقولون انها لم تكن مستعدة له، ومن ابرزها مفارقة الانتقال من صدام بسبب طائرات الميراج الى اتفاق على امتلاك طائرات ميغ روسية.

ففي أواخر الستينات من القرن الماضي، كانت موسكو مهتمة بالحصول على طائرة ميراج لدراسة نقاط القوة والضعف فيها بعد صدمة أدائها المتفوق على طائرات الميغ في حرب حزيران عام ١٩٦٧. وهي استسهلت اغواء ضابط طيار لبناني بتهريب طائرة ميراج ليتسلمها طيارون سوفيات من دون أن تعرف أن الضابط المذكور كشف الأمر لرؤسائه، وجرى الاتفاق على السير في اللعبة ثم كشفها لحظة دفع الاموال قبل التنفيذ للقبض على العملاء بالجرم المشهود. لكن اطلاق نار تخلل عملية المداهمة بسبب لجوء الضباط السوفيات الى المواجهة. وكان للحادثة مضاعفات بينها لعب موسكو دوراً في فشل المرشح الشهابي في الانتخابات الرئاسية عام ١٩٧٠. واليوم تهدي موسكو بيروت عشر طائرات ميغ-٢٩ مع الاستعداد لتزويد الجيش بكل الاسلحة التي يحتاج اليها ويطلبها منها.

وهذا بالطبع تاريخ تغيرت الدنيا من بعده. فلا بيروت اليوم هي بيروت الستينات، ولا موسكو. غير ان لبنان كان له دائماً مكان ما في الكرملين.

ايام القياصرة في امبراطورية آل رومانوف. أيام الاتحاد السوفياتي والنظام الشيوعي من لينين الى غورباتشوف. وايام الاتحاد الروسي بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وصعود نجم القيصر بوتين. القياصرة كان لهم دور سياسي وتعليمي في جبل لبنان خلال الإمارة والقائمقاميتين والمتصرفية. وموسكو الشيوعية لعبت في مجلس الامن دوراً في ضمان استقلال لبنان وظلت تضع حساباً لاستقلاله وخصوصية وضعه حتى خلال الحرب في ظل الحرب الباردة وموسكو التي تستعيد اليوم دورها الدولي تفتح ترسانتها لتسليح الجيش بما امتنعت اميركا واوروبا عن تقديمه من الاسباب لوصول السلاح الى أيدٍ غير شيوعية.

في التاريخ كان ثمة كتاب يجذب القرّاء هو رأس المال، لكنه لم يكن الكتاب الذي أصدره كارل ماركس في القرن التاسع عشر وشغل العالم، كما يقول رفيق خوري، بل كتاب آخر يحمل العنوان نفسه لرئيس الأساقفة في ميونيخ رينهارد ماركس.

وماركس هذا رجل دين كان يخاطب ماركس رجل الثورة الذي يعترف الخبراء بأنه كان أعمق مَن فهم الرأسمالية وقام بتشريحها. وهو يبدأ من سؤال لن يتركني في سلام: في نهاية القرن العشرين عندما هزمت رأسمالية الغرب شيوعية الشرق في معركة بين النظامين، هل كنا سريعين جدا في رفضك ورفض نظرياتك الاقتصادية؟.

هذا السؤال يحوم فوق رأس المشاركين في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس السويسرية. وهو أيضا ما يوحي المنتدى الاجتماعي العالمي المضاد المنعقد في البرازيل ان لديه الجواب عنه تحت عنوان البحث عن عالم آخر ممكن. غير ان منتدى دافوس يحاول الهرب من الجواب برغم البحث في أسئلة جذرية طرحتها الأزمة الاقتصادية والمالية الكونية وتحتاج الى أجوبة عملية لتجسيد عنوان المنتدى هذا العام وهو تشكيل عالم ما بعد الأزمة.

ذلك ان الزلزال الذي ضرب الرأسمالية وفرض التغيير في العالم قاد الى تغيير في الشكل والمضمون في المنتدى. فللمرة الأولى، منذ أسس البروفسور كلاوس شواب المنتدى الاقتصادي العالمي عام ١٩٧١ يجد المشاركون أنفسهم عاجزين عن مواجهة التحدي. وما كان رمز دافوس وهو رواية توماس مان الجبل السحري صار الآن مسرحية شكسبير ماكبث التي يقول رجل الأعمال ريتشارد أولفييه وهو نجل الممثل الشهير لورنس أولفييه إنها تمثل الخراب الذي يقود اليه الطمع والطموح لدى قائد كان عظيما وتنطبق على ممارسات المسؤولين عن الأسواق والمؤسسات المالية. وما كان منبراً لمواعظ المدراء والمحتالين من أمثال برنارد مادوف الذي احتال بمبلغ خمسين مليار دولار، هو الآن منبر لرجال الدولة بعدما انتقل رقّاص الساعة وعادت السلطة الى الحكومات كما يقول شواب. ولا شيء يعبّر عن الواقع الجديد أكثر من غياب المسؤولين الكبار في أميركا وتصدر رئيس الوزراء الصيني وين جياباو ورئيس الوزراء الروسي يومئذ فلاديمير بوتين.

ويتساءل رفيق خوري في كتابه:

هل دقّت ساعة العلاقات من دولة الى دولة بين لبنان وسوريا؟ وهل يكفي ان تصبح العلاقات من دولة الى دولة، وهي يمكن ان تكون باردة أم أن الحاجة ملحة لتحسين العلاقات وادارتها بما يحقق المصالح المشتركة؟

بعض الجواب في تبادل التمثيل الديبلوماسي وفتح السفارتين وتسمية ميشال الخوري سفيرا للبنان في دمشق وعلي عبد الكريم علي سفيرا لسوريا في بيروت. وبعضه الآخر يتوقف على أمور عدة تبدأ بقراءة مشتركة بعد مراجعة ذاتية لأخطاء المرحلة الماضية ولا تنتهي بمعالجة مسألتين مهمتين: الأولى هي علاقات دمشق مع الأطراف والأحزاب والشخصيات اللبنانية، والثانية هي ادمان اللبنانيين الرهان على الأدوار الخارجية، وسط مزيج من الحماسة والقلق. فهم يتحمسون لوضع العلاقات مع سوريا بنداً على جدول الأعمال في العلاقات بين دمشق وكل من واشنطن وباريس وبقية العواصم الأوروبية الى جانب عواصم عربية واقليمية. وهم يقلقون من صفقة الى حد ان كل زائر لبيروت أو دمشق يعمد الى التطمين عبر تكرار جملة واحدة هي انه لا صفقة الى حد ان كل زائر لبيروت أو دمشق يعمد الى التطمين عبر تكرار جملة واحدة هي أنه لا صفقة على حساب لبنان.

المسألة الأولى سلّط الضوء عليها الرئيس بشار الأسد في الحديث المهم الذي نشرته الزميلة السفير. فهو وضع المسألة على عاتق لبنان الذي لقواه علاقات مع فرنسا وسواها، ليقول: اذا كنتم لا تريدون سوى علاقة مع الدولة، فعلى الدولة اللبنانية ان تقرر منع أية جهة من اقامة علاقات خارج اطار الدولة، ونحن نلتزم، لكن الدولة لم تأخذ هذا القرار. وهو قال من جهة أخرى ان أبواب سوريا مفتوحة لأي لبناني ضمن أسس للعلاقات ومغلقة في وجه من لا يؤمن بلبنان عربي أو لا يدعم المقاومة أو يقول ان اسرائيل ليست عدوا.

والمسألة الثانية تتطلب ان تمسك الدولة بيدها العلاقات مع سوريا، بحيث تدار على أساس ثنائي مباشر. فالفارق كبير بين أن يكون التبادل الديبلوماسي قرارا نضج في العاصمتين ضمن قراءة للمصالح والتحديات وبين أن يبدو كأنه نتيجة جهد فرنسي مع دمشق. والمهمة أمامنا هي البحث في جوهر العلاقات وآلية ادارتها وتطويرها، بعدما حدد الرئيس الأسد الخطوط العامة للأخطاء في المرحلة الماضية، وهي جسيمة ومشتركة، فضلا عن وضعه للمرحلة المقبلة عنوان حكومة الوحدة الوطنية بعد الانتخابات مهما تكن حصيلتها، ودعم الرئاسة والدور الأساسي الذي يلعبه الرئيس التوافقي ميشال سليمان، والاقتراب من لبنان عندما يتوافق اللبنانيون على القضايا الخلافية، والابتعاد أكثر عند الانقسام والتسليم بما سمّاه النفوذ المتبادل كجزء من طبائع الأمور بين دولتين متجاورتين.

والطريق بين بيروت ودمشق قصير والمسار طويل.

في النصف الأول من التطورات وضع أوباما التوتر الكبير بين أميركا والعالم الاسلامي في اطار التطرّف والأخطاء المشتركة، ودعا الى العمل على مواجهته من مدخلين، أولهما الاضاءة على انجازات العرب والمسلمين في التاريخ والتي نقلت الحضارة والعلوم والتسامح الى الغرب، وثانيهما الانطلاق من قصته الشخصية كإفريقي – آسيوي من أب مسلم الى قصة أميركا وتجربتها في اعطاء فرص متكافئة لأبناء الأعراق والديانات في نيل الحقوق المتساوية بالنضال الديمقراطي لا بالعنف، وممارستها في اطار القانون، وهو أخذ من الانجيل وجيفرسون واختار آيات من القرآن الكريم للاضاءة على الوجه الحقيقي للاسلام وأهمية السلام والتعايش والتذكير بأن المبدأ الاسلامي في العلاقات بين البشر هو: يجب ان تعامل الآخرين كما تود ان يعاملوك.

وفي النصف الثاني تحدث أوباما عن الحاجة الى العمل المشترك لمواجهة ست قضايا هي مصدر توترات: العنف والتطرف، الصراع العربي – الاسرائيلي، الأسلحة النووية، الديمقراطية، حرية الأديان، ومشاكل العولمة. فلا جدوى، في رأيه، للمقاومة لانها لن تقود الى حلّ. لا حلّ للصراع العربي – الاسرائيلي الاّ بتفهم كل طرف لمخاوف الطرف الآخر وطروحاته المشروعة وتحقيق حلّ الدولتين، لا حلّ نهائيا للتسلح النووي إلاّ بالوصول الى عالم خالٍ من الأسلحة النووية. لا بد من الديمقراطية، لكن فرضها خاطئ، لا يجوز التنكر لحرية الأديان في أي بلد. ولا علاج لمشاكل العولمة إلاّ بالعمل المشترك.

لكن أوباما الذي طمأن الحكومات الى انه لن يعمد الى فرض النموذج الأميركي تاركا لكل بلد طريقه الخاص، خاطب الشعوب بالقول ان شرعية الحكومات تأتي من القبول الشعبي بها ومن خدمتها للشعب وليس من خدمة الشعب لها. وهو مدّ يد الحوار الى ايران، واعترف بأن غزو العراق كان حرب خيار مشددا على الانسحاب وان غزو افغانستان هو حرب ضرورة مركزا على المساعدات مع استخدام القوة ل كسر شوكة التطرف.

وليس أهم من الخطاب سوى العمل في البداية الجديدة، والأهم هو ما نفعله نحن قبل الرهان على ما تفعله أميركا.

أين هو دور اللبنانيين في اللعبة السياسية؟

والجواب أن اللبنانيين ذهبوا الى صناديق الاقتراع طوائف ومذاهب ليأتوا بنواب مختارين سلفا على اللوائح. والنواب ذهبوا الى ساحة النجمة وهم يعرفون ان التجديد للرئيس بري قدر وخيار معاً. قدر في النظام الطائفي حين تغيب التعددية داخل كل مذهب وتسود المركزية في الاصطفاف. وخيار في زمن التوافق بسبب المزايا والصفقات الشخصية والمواهب التي يتمتع بها رجل لكل الفصول لعب واحدا من أهم الأدوار في مرحلة الحرب وفي مرحلة ما بعد الطائف، فهو قادر على ان يكون طرفاً في الصراع وداعية حوار ومركز اتصال بين الجميع. داهية في السياسة، سريع الخاطر في الظرف، مشغول بالشعر والثقافة، وقارئ للتطورات هنا ومن حولنا. في يده ثلاث قبعات لرأسه: السلطة، المعارضة، والمقاومة. وهو فوق ذلك، ومهما فعل، مثل مقلاة التيفلون التي لا يعلق عليها شيء.

لكن الرئيس بري ليس الشخصية الوحيدة التي لا يعلق عليها شيء، وان قيلت أشياء كثيرة، فالكل تقريبا من صنف التيفلون. يأخذون البلد في اتجاه ثم يعودون به في اتجاه معاكس، فيدفع البلد الثمن، من دون ان يتبدّل موقع واحد منهم. ينسون قضايا الناس في الصراع على السلطة ويتركون الأزمات المتعددة ومعها الفساد، ويبقون على القمة. لا الغاضبون يحاسبونهم. ولا هم حتى في مراجعة المواقف، كما رأينا بعد الانتخابات، يتخلون عن تحميل الطرف الآخر المسؤولية عما خسروه، ويفضلون التراجع على النقد الذاتي والمراجعة.