IMLebanon

التفاوض اللبناني ــــــ اللبناني المؤجّل

لئن أوجد الإتفاق بعد شق النفس، وانتهاء كل المهل، على قانون انتخاب جديد، شكلاً من أشكال «التوافق» الداخلي الذي أفضت اليه عملية «تفاوض» داخلي، ولئن تشكّل نوع من التوافق الداخلي على وجوب اعطاء حيز أكبر لمعالجة قضية اللاجئين السوريين في لبنان، والاستنفار لربط هذه القضية بالمسار السياسي لوقف شلالات الدم في سوريا، هذا المسار الذي لا يمكن تصوّره مجدياً من دون تجاوز النظام البعثي الدموي نفسه، فقد جاء طرح موضوع «التفاوض مع النظام» ليظهر هشاشة مجموعة من التوافقات المحصّلة في الفترة الأخيرة، بل جاء طرح هذا الموضوع ليكشف كم من تفاوض لبناني – لبناني مؤجّل، ولا يمكن اختزاله لا بما تم التوصل اليه من قانون انتخاب، أو من خطوط عامة تجاه مسألة اللاجئين، وتجاه التحديات الأمنية المتصلة بمواجهة الشبكات المتطرفة.

التفاوض اللبناني – اللبناني ممتنع في ثلاث:

1 – فـ»حزب الله» يعتبر أن «مقاومته» بمنأى عن أي حوار وطني حول وجوبها أو حول نطاقه أو حول ضوابطها، وبمنأى عن أي نقاش حول تدخله المتواصل في سوريا، وعن أي نقاش حول تدخله بشؤون دول تربطها بلبنان تقليدياً علاقات قوية، وعن أي نقاش يتعلق بتقرير حال السلم من حال الحرب. التفاوض الداخلي ممتنع إذاً حول المسائل السيادية المركزية بالنسبة إلى أي دولة وطنية.

2 – لكن التفاوض بين اللبنانيين ممتنع أيضاً حول أزمة نظامه السياسيّ. مرة لأنّه لا تكاد تذكر أزمة هذا النظام حتى تحضر فزاعة «المؤتمر التأسيسي» التي يحرّكها «حزب الله» وأنصاره موسمياً، ومرة بالتحجج بهذه الفزاعة من قبل المناوئين لـ»حزب الله» أيضاً من أجل اعتبار كل استرسال في النقاش حول شروط استصلاح العقد الاجتماعي في البلد مؤجل الى ما بعد حل المشكلات الأساسية العالقة مع «حزب الله». لكن أزمة النظام السياسي اللبناني، أزمة العقد الإجتماعي اللبناني المضمحل، هي واقع معاش، ولا يمكن لأمر واقع بهذه الجسامة وبهذا الشمول، أن يقال حياله أنّه ليس وقته الآن. النقاش في العقود الإجتماعية والنظم السياسية ليس نقاشاً على قاعدة «كل شيء أو لا شيء»، ولا هو يتأسس على العودة إلى الصفر في أية حال. هو نقاش تراكمي، لا بد أن يكون حريصاً على «عدم رمي الطفل مع مياه الغسيل الوسخة»، لكنه نقاش لا يمكن تأجيله، خاصة وأنّ المنطلقات الدستورية الأساسية، من تداول السلطة والفصل بين السلطات، ومن احترام المواقيت الدستورية للإستحقاقات الانتخابية، ومن توضيح مرجعية تفسير الدستور، ومن اعادة تفعيل عملية مراقبة دستورية القوانين، كل هذه تحتاج ليس فقط إلى تحسين «التطبيق»، بل إلى افساح المجال لتفاوض لبناني داخلي حول الشروط التي يمكنها أن تصلح الأطر الموجودة لمعالجة هذه المسائل. اعتبار أن كل إصلاح سياسي مؤجل إلى ما بعد حل المشكلة مع «حزب الله» ليس مجدياً. طبعاً، لا يمكن انكار صعوبة الأمر، تحت ضغط سطوة هذا الحزب من جهة، وتداعيات الحرب السورية وأزمة اللاجئين من جهة ثانية، لكن لا يمكن بأية حال التسليم بإقفال الإجتهاد في مسألة البحث عن شروط واقعية مرنة لتمكين الإصلاح السياسي، بنفس تراكمي صبور.

3 – الإنسداد سيد الموقف في قنوات التفاوض الإجتماعي. مجرد اعادة قراءة مقدمة الدستور توضح كم أن البلد بعيد عن كل تجسيد لما نصت عليه من عدالة إجتماعية وانماء متوازن، بل أن هناك مؤشرات مقلقة تتعلق بملفات حقوق الإنسان، وبالحريات السياسية والنقابية، وكل هذا في بلد اذا قدّر له فعلا أن يتوجه لانتخابات العام المقبل، فيكون ذلك بعد تسع سنوات على آخر استحقاق.

لو ان المطالبين بالتفاوض بين لبنان والنظام السوري ارفقوا «ايجابيتهم» هذه ببادرات حيال عناوين الإنسداد في التفاوض بين اللبنانيين، بخصوص المسائل السيادية المركزية، وبخصوص موجبات وراهنية الاصلاح السياسي، وبخصوص معالجة الانسداد في قنوات التفاوض الاجتماعي، لكان يمكن على الأقل أن يقال إنّهم جماعة تريد تعزيز قنوات الوصل في الداخل والخارج على حد سواء. لكن المطالبين بهذا التفاوض مع النظام السوري في غير وارد فتح باب التفاوض الداخلي حول القضايا السيادية المركزية المصادرة، وفي غير وارد النقاش حول أزمة النظام السياسي الا بفزاعة «المؤتمر التأسيسي»، وغير مكترثين جدياً لفتح قنوات التفاوض الإجتماعي. وفي المقابل، فإن الرافضين للتفاوض مع النظام السوري مقصّرون في كل هذه المجالات، مع أنّ هذه المجالات بالتحديد هي المحك الذي عليهم اجتيازه اذا ما أرادوا التوجه الى الانتخابات النيابية المقبلة بروحية برنامجية سياسية متكاملة.