استعادت ذاكرة اللبنانيين في الايام الثلاثة المنصرمة تاريخ اغتيال الشهيدين جبران تويني وفرنسوا الحاج، الاولى اعلامي بامتياز والثاني عسكري بامتياز مماثل سقطا في مكانين مختلفين على ايدي من كان ولا يزال يتطلع الى ضرب لبنان في سيادته ووحدته واستقلاله، من ضمن مجموعة جرائم مروعة استدعت ثورة الارز، وادت تلقائيا الى خروج الاحتلال السوري من لبنان بلا رجعة فيما لا تزال عندنا بقايا من العملاء الذين يستحيل عليهم تغيير لونهم السياسي بعد طول تجارب فاشلة!
ان القسم الذي اطلقه جبران تويني لا يزال يعيش في فكر وقلب كل لبناني مهما كانت ميوله، فضلا عن ان الذي كان فرنسوا الحاج في صدده عسكريا قد ادى تلقائيا الى ما يشبه الثورة المضادة التي لولاها لما تحرر لبنان ولما استعاد استقلاله من »براثن الاسدين« الامر الذي يستدعي القول تكرارا ان رجالات الاستقلال الثاني لما كانوا قد استشهدوا الا لان غايتهم الوطنية بلغت ذروة التضحية بالروح وبالدم من لحظة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي فتح باب التحدي امام خصومه الذين يتطلع اليهم القضاء الدولي حيث لا بد من الانتقام لسيل الدماء الذي تدفق جراء ابشع عمليات الاغتيال المجرمة.
وفي الذكرى التاسعة لاغتيال جبران تويني اطلقت قوى 14 اذار »اعلان جبران 2014« الذي جسد في المطلق ابعاد التمسك بدرب الحرية الذي خطه جبران بقلمه وبدمه على اساس »الثبات على ان نبقى موحدين على نبض السيادة والاستقلال والعبور الى الدولة« مع العلم ان الوحدة ليست متوفرة في حدهما الادني باستثناء ما يتردد من كلام على تضحيات البعض لغايات شخصية لا تقدم ولا تؤخر.
ان اكثرية اللبنانيين لا تقبل بان يكون لبنان اداة او مطية توفر استقواء طرف اقليمي على اخر، او صندوق بريد لرسائل تفجير استقراره وتورطه في ادوار ومهام ليست له، وتحمل بعض فرقاء الداخل ما يتناقض ولبنانيتهم وعروبتهم (…) والاكثرية المشار اليها تدعو الى اعلاء شأن الحريات من غير حاجة الى تدخل القضاء في ما يقال انه »جرائم اثارة النعرات الطائفية والمذهبية وتلفيق اخبار كاذبة والقدح والذم والتشهير«، فيما كان على القضاء الذي يحكم في مثل هكذا اتهامات ان يدرك ضرورة استيعاب الحرية البعيدة عن النجاسة التي يمثلها بعض السياسيين من دون حاجة الى تسمية هؤلاء كي لا يرتفع مستوي الاحكام المالية الصادرة لمصلحتهم؟!
صحيح ان المواطن العادي يتطلع الى من يزيح عن كاهله الظلم، كما يتطلع الى اعلاء شأن الحريات، اقله لاعادة بناء ديموقراطية الدولة، وكي لا يكون هناك تهاون في اطار القوانين مع اي مس بالحريات، لا من حيث المبدأ ولا من حيث الاصول التي تعني المجتمع المدني وتشجعه على التعبير عن مواقفه في رفض كل ما يمس الحرية في بنية الحياة العامة، لاسيما في ما يتعلق باعلان الهوية الانسانية والوطنية بما في ذلك الاصرار على المطالبة اولا واخيرا بالحرية كحرية معترف بها؟!
ان رفض الاعلان عن المفاهيم المشوهة قصة طويلة من ضمنها تجنب تجاوز حرية الفرد في حال كان لم يتقصد من هو في صلب الحياة العامة التي يطاولها بالسوء لمجرد انه سياسي ويتمتع بثقل قيادي يسمع له وضعه بان يتجاوز الحياة الوطنية لدى غيره لمجرد انه خصمه في السياسة، من دون اية حاجة الى حوار او مقاربة الواقع اليومي للانسان اللبناني؟!
ان استكمال معرفة السيادة الوطنية تحتم على كل لبناني ان يعرف حدوده التي كفلها الدستور، وصولا الى اعتبار الحرية اساسا لكل ما هو مقصود من السياسة او من الاعلام لا فرق، لاسيما الى استكمال معركة السيادة في هذه الايام تبدو مفتوحة لان ثمة جهات قد استوعبت الحرية في غير ما هو مرجو منها، والمثل الاوضح لما هو حاصل الان ان بعضهم يرفض استكمال معركة السيادة من خلال انتخاب رئيس للجمهورية ليس قناعة منه، بل تكبرا عن كل ما من شأنه ان يضع الحقيقة في صلب الحرية التي تختلف عن كل ما عداها، عندما يتطلع الانسان اللبناني الى ما هو مرجو في الاتجاهات السياسية؟!
فالذين يتطلعون الى بصيص امل سيادي، هم اياهم الذي يرون ضرورة البحث عن الحرية من غير ان ينتظروا قرارا قضائيا جائرا يجعلهم يكبلون انفسهم (…) خصوصا ان كل شيء قد تغير في لبنان بالنسبة الى مرحلة تغيير نمط الحرية في اعقاب ثورة الارز الثانية مع العلم ان بعضهم لا يزال يتطلع الى منصب ليس له فيه غاية وطنية عليا بل مصلحة شخصية من المستحيل الارتقاء الى مستواها بالوسائل السياسية التقليدية؟!