IMLebanon

لبنان يتنفّس… هل يمكن إعادة تركيبه؟  

 

 

لا يزال  لبنان يتنفّس. الدليل على ذلك الزحمة التي تشهدها بيروت والمناطق اللبنانيّة هذه الأيام. يتنفّس لبنان بالكاد… لكنّه يتنفّس، على الرغم من كلّ ما مرّ به في السنوات الأخيرة وانتقاله من احتلال إلى آخر. يبقى السؤال هل يمكن إعادة تركيب لبنان وهل ذلك مسموح به؟

 

لا مفرّ من الإقرار  بأن تعرّض بلد مثل لبنان لما تعرّض له منذ العام 1969، تاريخ توقيع اتفاق القاهرة المشؤوم وبقاءه على قيد الحياة في السنة 2023، يدخل في باب المعجزات. الأمر معجزة، خصوصا أن الجهة التي تتحكّم بلبنان غير مهتمّة لا بمصيره ولا بمصير اهله.

 

في سنوات قليلة، خسر لبنان كلّ مقومات وجوده. صار بلدا يُحظر فيه التحقيق في جريمة في حجم تفجير مرفأ بيروت في الرابع من آب – أغسطس 2020. كان ميشال عون، رئيس الجمهوريّة في حينه، يريد تحقيقا سريعا يكشف الحقيقة. تبيّن أن المطلوب منه دفن التحقيق، ومعه لبنان، في ضوء رغبات “حزب الله” الذي كان يستخدم نيترات الأمونيوم المودعة في احد عنابر المرفأ لأغراض خاصة به… في الداخل السوري!

 

في منطقة، تفجرت فيها، من داخل، دول عدة من الجائز التساؤل هل يمكن إعادة تركيب لبنان وفي ظلّ أي صيغة يمكن ذلك؟ السؤال، الذي لا جواب عنه، اكثر من منطقي في حال نظرنا إلى مصير دول عربيّة عدة. من بين هذه الدول سوريا والعراق وليبيا واليمن والسودان.

 

هناك خمس دول عربيّة بات مصيرها في مهبّ الريح. يضاف لبنان إلى الدول الخمس، مع فارق أنّ اهله ما زالوا يقاومون السقوط النهائي تحت الاحتلال الإيراني. يصرّ الاحتلال الإيراني على التحكّم بكلّ شاردة وواردة في لبنان. في المقابل، يصرّ قسم لا بأس به من اللبنانيين على المقاومة. يؤكّد ذلك على سبيل المثال توريث الزعيم وليد جنبلاط  لنجله تيمور رئاسة الحزب الإشتراكي، الذي هو جزء لا يتجزأ من عدّة الشغل لدى سيّد المختارة. التوريث، في هذه الظروف بالذات، فعل مقاومة ورفض لزوال الدور الدرزي في لبنان. إنّه فعل مقاومة بغض النظر عن الشعارات البالية التي يرفعها جنبلاط الأب بين حين وآخر. من بين هذه الشعارات المضحكة ذلك الذي يهاجم فيه “اتفاق 17 أيّار” للعام 1983 الذي سيكون صعبا على لبنان الحصول على افضل منه بعد أربعين سنة من توقيعه!

 

ليس الدروز وحدهم الذين يقاومون في ظلّ الضياع السنّي والإنقسامات المسيحّية التي لا شفاء منها في المدى المنظور، خصوصا في ظلّ وجود مسيحيين مرضى عقليا. ما زال هؤلاء يرفضون الإعتراف بأنّ الثنائي ميشال عون – جبران باسيل لم يكن يوما سوى أداة استخدمها “حزب الله” في عملية تدمير ممنهجة للمجتمع وللمسيحيين تحديدا ولما بقي من مؤسسات الدولة اللبنانيّة.

 

لا يزال لبنان يتنفس على الرغم من وجود نسبة تزيد على ستين في المئة من مواطنيه تحت خط الفقر. يقاوم كلّ لبناني يمتلك حدّا أدنى من الوطنيّة على طريقته. الدروز يقاومون على طريقتهم. السنّة يقاومون بأكثريتهم الساحقة على الرغم من غياب رأس للطائفة. كذلك يفعل المسيحيون فيما توجد اقلية شيعية ما زالت تؤكّد أن الحزب لم ينجح كلّيا بعد في تغيير طبيعة الطائفة والمجتمع الشيعي.

 

سيتوقف الكثير على ما إذا كان الوضع الأقليمي سيتغيّر في المدى المنظور. ليس ما يشير إلى ذلك في ضوء نجاح “الجمهوريّة الإسلاميّة” في الفصل بين مسار العلاقة بينها وبين المملكة العربيّة السعوديّة من جهة وسلوكها في العراق وسوريا ولبنان، واليمن، إلى حدّ ما، من جهة أخرى.

 

يظلّ لبنان بالنسبة إلى ايران ورقة مؤجلة في انتظار الوقت المناسب لإستخدامها في صفقة مع “الشيطان الأكبر” ليس مستبعدا حصولها في المدى القريب بعد زوال عقبات كثيرة تقف في وجهها. هل يمكن أن يستفيد لبنان من مثل هذه الصفقة التي تطبخ على نار هادئة في سلطنة عُمان وغيرها؟ الجواب أن ذلك مستبعد إلى حد كبير، خصوصا أن لبنان لم بعد همّا اميركيا منذ فترة طويلة.

 

ليس امام اللبنانيين غير خيار الصمود على الرغم من أن الظروف الإقليميّة لا تعمل لمصلحتهم. يفترض بهم الصمود ولكن من دون أوهام من نوع وهم أن النظام السوري يمكن أن يقبل بعودة اللاجئين السوريين إلى أراضيهم التي هجروا منها. لا وجود لعودة للاجئين، وهم في اكثريتهم من السنّة، ما دام النظام الأقلوّي قائما وما دام الهمّ الأوّل لإيران وادواتها تغيير طبيعة التركيبة الديموغرافية لسوريا. يتمثّل كلّ ما يريده النظام السوري في الوقت الحاضر في السعي إلى المتاجرة في قضية اللاجئين عن طريق الادعاء أنّه في حاجة إلى مساعدات من أجل إعادة تأهيل المناطق التي هجروا منها عن سابق تصورّ وتصميم ولأغراض أكثر من معروفة.

 

يقاوم اللبنانيون في ظروف في غاية الصعوبة والتعقيد. لا تعي أكثرية اللبنانيين ماهية هذه الصعوبات ومدى تعقيدها. لكنّ لا خيار آخر امام هذه الأكثريّة سوى المقاومة. رفض مرشّح “حزب الله” لرئاسة الجمهوريّة فعل مقاومة، تماما مثل عودة آلاف اللبنانيين لتمضية جزء من الصيف في لبنان. لن ينعش هؤلاء الاقتصاد ولن يعيدوا الحياة إلى النظام المصرفي الذي مات وشبع موتا. لكنّ مجيئهم يظلّ افضل من لا شيء في بلد يتجه نحو مزيد من الفراغ على كلّ صعيد في غياب أي رغبة أوروبيّة أو اميركيّة أو عربيّة في القيام بأي مبادرة تستهدف إنقاذ ما يمكن إنقاذه.

 

هل لا يزال ممكنا الكلام عن معجزة لبنانيّة. نعم، لا يزال ذلك ممكنا على الرغم من أنّ العجز عن انتخاب رئيس للجمهوريّة يشير إلى أن لا حدود للإنهيار اللبناني وللمدى الذي يمكن أن يصل إليه هذا الإنهيار…