بالتقاطع مع الاستعدادات المتواصلة لانجاز الانتخابات النيابية في موعدها المقرر في السادس من ايار المقبل، تتراكم على طاولة العديد من القيادات السياسية والعسكرية والامنية، معلومات تؤكد ان ملف النزاع اللبناني – الاسرائيلي حول مسألة الحدود البرية والحرية، لم يطوَ مع مغادرة مساعد نائب وزير الخارجية الاميركية دايفيد ساترفيلد لبنان، بعد زيارته الاخيرة الخاطفة، قادماً من «إسرائيل»، بل زادت الامور تعقيداً، كما زادت من غموض ما يمكن ان تؤول اليه التطورات على أرض الواقع، محصوبة بتحركات وخروقات إسرائيلية يومية لافتة للحدود اللبنانية، براً وبحراً وجواً، تعززت أول من أمس، بقيام دورية اسرائيلية برفع العلم الاسرائيلي عند الشريط الحدودي، بمواجهة «بوابة فاطمة»..
لم يعد سراً ان تتلاحق الاسئلة والتساؤلات، حول ما اذا كانت المخاوف من تعثر اجراء الانتخابات في موعدها المقرر حقيقة مبنية على وقائع، أم مجرد كلام اعلامي لاغراض لم تعد خافية على أحد، وسط سيناريوات تزداد يوماً بعد يوم، تسوق لقوى خارجية من أجل الامساك بالقرار اللبناني..
ما شهدته الساحة اللبنانية في اليومين الماضيين لم يكن صدفة.. وبالتقاطع مع زيارة الموفد السعودي نزار العلولا الى لبنان، ولقائه على دفعات الرؤساء ميشال عون وسعد الحريري، ولاحقاً نبيه بري، وعدد من القيادات السياسية والحزبية.. وبالتزامن مع جولة وكيل الامين العام للأمم المتحدة لادارة عمليات حفظ السلام، جان بيار لاكروا، على الرؤساء الثلاثة وقيادات أمنية، خرج الرئيس عون من حضن القصر الجمهوري في بعبدا، وتوجه الى وزارة الدفاع في اليرزة، في سابقة تسجل له.. حيث التقى قائد الجيش العماد جوزف عون، ورئيس الاركان اللواء الركن حاتم ملاك وأعضاء المجلس العسكري (الذي فوض اليه أمر المواجهة المحتملة مع العدو الاسرائيلي) وقادة الوحدات العسكرية الكبرى..
زيارة الرئيس العماد عون اليرزة، ولقائه القادة العسكريين لم تكن زيارة بروتوكولية، او مجرد الوقوف على خاطر هؤلاء، كما لم تكن صدفة او لمجرد «ملء الوقت».. بل هي شبه استنفار حتمته الضرورات والمعلومات المتراكمة لديه حول ما يمكن ان يؤول اليه النزاع اللبناني- الاسرائيلي على الحدود البرية والبحرية.. فكانت الزيارة ضرورية للوقوف على ما توفر لدى القيادات العسكرية والاجهزة الامنية من معطيات، كما وللتأكيد على القرار السياسي المجمع عليه لجهة رفض المساس بالحدود اللبنانية، وعدم التراجع عن ذلك، ولو أدى الى مواجهة عسكرية، بصرف النظر عن فارق الامكانات بين الجيشين اللبناني والاسرائيلي..
أبلغت القيادات الدولية بما يجري على أرض الواقع، وكانت زيارة لاكروا الى بعبدا ولقائه الرئيس العماد عون، ومن ثم زيارته الرئيسين بري والحريري، اشارة لافتة وذات مضمون لا يمكن القفز من فوقه، وهو الذي أقر بالتعاون الوثيق مع الجيش اللبناني الذي ضاعف وجوده مؤخراً في منطقة عمل «اليونيفيل..» وهو أمر «مرحب به بشكل ايجابي للغاية..» على ما قال، مستطرداً بالقول: «ان تطلع الجيش الى مضاعفة هذا الوجود أمر مرحب به للغاية أيضاً..» وذلك خلاف ما كانت تبلغته قيادات عسكرية وأمنية من احتجاجات من أكثر من مصدر دولي على تكثيف الحضور العسكري اللبناني عند الحدود حيث «قوات حفظ السلام الدولية.. موجودة للحفاظ على وقف اطلاق النار والمساعدة في ايجاد الظروف الملائمة للتهدئة.. وهي مصممة على المضي قدماً في مهمتها هذه..» على ما قال لاكروا بعد لقائه رئيس الجمهورية.. وقد أبلغ من الرؤساء الثلاثة تأكيد لبنان على موقفه الثابت والراسخ لجهة التمسك بالسيادة والحقوق، والتشدد على رفض المساس بالحدود البرية والبحرية للبنان، وعدم التراجع عن ذلك، مهما كان الامر واضعين «المجتمع الدولي» أمام مسؤولياته وعدم الاستسلام للضغوطات الاميركية والاسرائيلية، والعمل على وقف المحاولات المتمادية للمس بالسيادة اللبنانية وحقوق لبنان في ثرواته النفطية والغازية ضمن حدوده الاقليمية المعترف بها دولياً، والتي تعمل «إسرائيل» على انتهاكها بشكل متواصل وتدعي حقوقاً لها في هذه المنطقة..
يقول متابعون، ان لاكروا كان متفهما – بحدود – الموقف اللبناني، من دون ان يقدم أية ضمانات مطلوبة تساعد لبنان في مواجهة التحديات والتهديدات الاسرائيلية المتواصلة وإن أبدى استعداداً للعمل من أجل «ترسيم الحدود في البر والبحر بين لبنان وإسرائيل..
الواضح، وعلى ما تؤكد المعلومات المتواصلة، ان دولاً أوروبة عديدة، وفي مقدمها فرنسا، تظهر حرصاً لافتاً على «استمرار الهدوء والاستقرار في لبنان – خصوصاً في الجنوب..» ولبنان على أبواب انعقاد مؤتمرات الدعم الدولية الثلاث.. لكن هذه الدول لم تصل بعد الى مرحلة الضغط الكافي على إسرائيل، وتوفير الضمانات الكافية للبنان للحصول على حقوقه كاملة.. الامر الذي دفع الرؤساء الثلاثة الى مكاشفة من يراجعهم، ويتصل بهم بتأكيد حق لبنان في الدفاع عن نفسه وحقوقه ومنع إسرائيل من المضي في انتهاك الحدود اللبنانية الجوية والبحرية والبرية ورفض بناء الجدار الاسمنتي ناهيك بمسألة الثروة النفطية..