يتطلع الموارنة الى انتخاب الرئاسة العامة للرهبنة اللبنانية المارونية بالكثير من علامات الاستفهام والعتب وليس همهم الوحيد انتخاب آباتي جديد ومجلس مدبرين ورؤساء اديرة قياسياً على عمل الرهبنة الحقيقي من نذور للعفة والطاعة والفقر، وما بين الواقع والتمني ثمة فوارق دافعة في مؤخرة رأس المسيحيين والموارنة على وجه الخصوص على خلفية العمل الاساسي للراهب وفق صورته القديمة في اذهانهم والتي يبدو انها بدأت بالأفول. لا شك ان المسيحيين يعيشون حالة او حالات من القهر السياسي والاقتصادي والاجتماعي وفوق كل ذلك مصير وجودهم في هذا الشرق المترامي والمهدد بالزوال نتيجة عوامل عدة منها الهجرة وانعدام فرص العمل وعدم قيام الرهبنة بواجباتها خير قيام تجاه هذه التحديات والتي لطالما كانت في صلب عمل آبائهم الذين سبقوهم في خدمة المجتمع المسيحي، وتعطي اوساط دينية مسيحية صورة قاتمة عن مستقبل المسيحيين وليس بالضرورة ان يكون عمل الرهبانية اللبنانية شاملاً لمجمل هذه المهام الكبرى، انما تترتب عليها واجبات ملزمة وفق النذور امام الرب وفق التالي:
اولاً: ليس في امر الانتخابات التي تجري في الثاني عشر من آب الجاري اية علاقة عضوية مع المشاكل الآنفة الذكر، انما هناك امور مطلوبة بالحاح وسرعة من الطقم الرهباني الجديد وفق اولويات تختلف عما سبق عندما كان المسيحي مرتاحاً وواجب التعديل في الواجبات يجب ان يكون قائماً وفق متطلبات صمود المسيحيين والموارنة في ارضهم وهذا هو الهدف الاساسي الذي يجب اتباعه اي ادراج نقلة نوعية لردم الهوة بين الرهبان والناس الذين اينما ذهبت تسمع وترى العتب الكبير بالاضافة الى الانتقادات القاسية بحق بعض المؤسسات التابعة للرهبانية، وهي غنية في مطلق الاحوال بعيداً عن النق واعتماد وسيلة قصر اليد سبيلاً للتهرب من الخدمة.
ثانياً: ان الرهبانية اللبنانية المارونية يجب ان تبقى مؤتمنة على الارث الوطني والتاريخ والثقافي والتربوي والصحفي والتعليمي وهذا بمجمله يشكل التحدي الاكبر للاباتي الجديد الذي من المفترض وفق حبرية هذه الرهبانية اي تبعيتها للكرسي الرسولي ان تتمثل ولو بالقليل من اعمال وفضائل البابا فرنسيس، فهو دعا منذ سنتين «الى عدم اعتبار السيارة الفخمة والخليوي المتجدد سبيلاً لدخول الملكوت». ولكن وفق المشاهدات لم يكن الواقع مطابقاً لما قاله قداسة البابا فهو يقتني سيارة لا يتعدى ثمنها الالف دولار في لبنان فيما واقع الحال دون مواربة ولا تجنٍ ان سيارات البعض من الرهبان التي يشاهدها المواطنون تمر امام الناس المحتاجين لا تتناسب مع عيش ممثل السيد المسيح على الارض نفسه الذي يتقشف ويصلي وفق رسالة القديسين انفسهم، وبالتالي فان السؤال المركزي الذي يطرح نفسه يتلخص بالتالي: ما هي دوافع بعض الرهبان الى اقتناء سيارات يوازي سعر الواحدة منها المئة الف دولار فيما الالاف من المحتاجين ليس لديهم ثمن دواء ولا استشفاء او تعليم، وصحيح ايضاً ان هذا الكاهل الكبير لا يقع سوى على الدولة ومؤسساتها انما الظروف الصعبة والمصيرية التي يعيشها المسيحيون تتطلب تعاضد الرهبانية مع ابناء شعبها ورعيتها ضمن الامكانيات المطلوبة فقط وليس تسيير الناس ومعيشهم على عاتق الرهبانية انما مد يد العون مطلوبة في كل حين حتى جلاء هذا الكابوس.
ثالثاً: هناك رهبان ترفع لهم القبعة وتنحني لهم الهامات في الرهبانية وهم كثر وهؤلاء يعيشون حياة طبيعية بالصلاة والتأمل والمساعدة بعيداً عن الترف ولا تعرف يدهم ماذا تفعل الاخرى من خير ومساعدات، انما واقع الامر ان هناك استثناءات غير منطقية يجب العمل سريعاً على اصلاحها والعودة الى طريق القديس انطونيوس ولو بالقليل من مسيرته واليسير من عمله.
رابعاً: لا شك ان لدى الرهبانية مؤسسات تربوية واستشفائية ضخمة وهي ليست باستطاعتها خدمة الجميع ذلك ان ميزانية الدولة تعجز عن القيام بها انما القليل من الخمر يفرح قلب الانسان وهذا هو المطلوب فقط. وتعطي مصادر المؤسسات الرهبانية ارقاماً بالآلاف من المنح المدرسية والجامعية ومساعدة المرضى في المسشتفيات التابعة لها وهذا امر حقيقي وواقعي يجب البوح به، ولكن حسب الواقع ان المطلوب خطوات اوسع في هذا الاطارما دامت الرسالة فحواها خدمة المحتاجين، وفي كل الاحوال ان مؤسسات الرهبنة تقوم في الكثير من المحطات مقام ادارات الدولة وهذا ليس من صلب مهامها فهي وان كانت وافرة الغلال الا ان مجرد عملية توزيع بسيطة يتبين ان توزيع البحر حصصاً لا يكفي الناس وهذا ما يدعو الدولة واداراتها الى مساعدة الرهبانيات في عملها سبيلاً للاستمرار في الخدمة العامة.
خامساً: ليس في عملية الانتخابات المقبلة ما يدعو الى التبصير والتنجيم ذلك ان احداً لا يعلم من هو الاب العام الجديد للرهبانية كي لا يعمد البعض الى تسمية هذا او ذاك، ذلك ان 320 راهباً سوف يقترعون يوم الجمعة القادم لرئيس عام جديد للرهبنة على مدى ست سنوات، ولكن ظروف مجيئه يجب ان تتوافق مع الاخطار الحقيقية التي يتعرض لها المسيحيون والموارنة، وعملية اعطاء هذا الطابع الضخم لهذه الانتخابات قياساً على غيرها مرده الى عظمة هذه الرهبانية في لعب دورها الوطني خصوصاً ان الرئيس ا لماروني غائب عن بعبدا والزعامات المسيحية منقسمة على بعضها وهذا كله يتطلب وجود شخصية قوية قادرة على ترداد محاولة الجمع سبعين مرة سبع مرات وليس الاكتفاء بالتجربة او اقله الاقتداء بخط سير سيد بكركي البطريرك مار بشارة بطرس الراعي الذي اخذ على نفسه وعداً قاطعا بالدعوة يومياً لانتخاب رئيس جديد للجمهورية لانه يعي مدى خطورة الموقف. هذا الاقتداء بالراعي يعني اصرارا يوميا. يجب على الاب العام الجديد السير بهذا النمط من المطالبة الدائمة كي لا ينسى المسيحيون دربهم الحقيقي ورسالتهم في هذا الشرق.