IMLebanon

فرنسا تنظّم هجرة جماعية للممرضين اللبنانيين

 

ما لم تستطع فعله الأزمة المالية الاقتصادية في ضربة واحدة في القطاع الطبي المنهك، تتكفل به اليوم مؤسسة فرنسية تدعى ESLAN. هذه الأخيرة تحضّر لمؤتمر في أحد الفنادق اللبنانية منتصف آب المقبل للاتفاق للقاء ممرضين وممرضات من أجل «سحب» ما يقرب من 600 منهم إلى فرنسا. أما الجزء الآخر من القصة، فتكمن في الشق المتعلق بالعلاقة الوثيقة والمشبوهة لتلك المؤسسة مع العدو الإسرائيلي

 

خلال عامٍ كامل من عمر الأزمة المالية ـ الاقتصادية، ترك ما يقرب من 1600 ممرّض وممرّضة المستشفيات والمراكز الطبية اللبنانية بحثاً عن فرص عيشٍ أفضل. طوال تلك الفترة، لم يحدث أن هاجر هؤلاء دفعة واحدة، إذ كانت قراراتهم فردية تتحكم بها «العروض المغرية» التي كانت تقدمها المستشفيات والمراكز في الخارج. مع ذلك، أحدثت هذه الهجرة فراغاً كبيراً في المؤسسات الصحية التي وجهت نفسها في مواجهة مزدوجة: الكورونا والهجرة.

 

اليوم، يحدث أن تأتي إحدى المؤسسات الفرنسية لتفعل ما لم تفعله الأزمة، حيث تعمل اليوم على تجهيز «باسبورات» من تبقوا في أكبر عملية تهجيرٍ جماعية تستهدف بحسب الإعلان ما يقرب من 600 ممرض وممرضة. أما الغريب في الدعوى الجماعية التي توجهها المؤسسة التي تدعى Eslan، والتي تعد المؤسسة «رقم 2» في فرنسا في تشغيل المؤسسات الإستشفائية، فهي في الشروط التي تفرضها، كطلبها أن يكون المرشحون للهجرة من خريجي جامعة القديس يوسف حصراً، وممن يحملون الشهادات العليا.

ما تفعله هذه المؤسسة، اليوم، هو توجيه ضربة قاسية للقطاع الصحي الذي يقف على حافة الهاوية، فالكارثة هنا تكمن في هجرة 600 ممرض وممرضة من ذوي الكفاءات والخبرات دفعة واحدة، في محاولة مقصودة لإفراغ المستشفيات في هذا الظرف الحرج «في الوقت الذي كان ينتظر من تلك المؤسسة وغيرها مساندتنا لإنقاذ القطاع لا تدميره»، على ما يقول نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة، الدكتور سليمان هارون.

تلك المؤسسة تنظّم مؤتمراً علنياً ولقاءات مع الممرضين والممرضات للاتفاق معهم على عقود العمل المغرية الذين هم بأمس الحاجة إليها اليوم. المؤتمر سيُعقد في فندق «ريجينسي بالاس» في منطقة جونية في السادس عشر من آب المقبل وحتى السابع والعشرين منه. في عزّ الأزمة، وبدل أن تُمدّ يد المساعدة للبنان، ها هي مؤسسة آتية من كنف «الأم الحنون» لتمسك الممرضين والممرضات من اليد التي تؤلمهم. من انهيار معيشتهم، فيما هم لا حول ولا قوة لهم أمام العروض المغرية. وقد تمادت تلك المؤسسة في وقاحتها إلى حدّ الطلب من نقابة الممرضين والممرضات في لبنان وضع إعلان على موقعها الرسمي تروّج من خلاله للعرض في الخارج، وهو ما رفضته النقابة لتخطيه الأصول وما هو مسموح به. وفي هذا السياق، تشير نقيبة الممرضين والممرضات في لبنان، الدكتورة ريما ساسين إلى أن النقابة تتحضر الأسبوع المقبل لسلسلة اجتماعات ولقاءات لتدارك الكارثة. الموقف هنا واضح: «لا يمكن أن يكون موقفنا السماح بحصول تلك الكارثة»، تقول ساسين، ولكنها، تعرف مسبقاً أن النقابة لن تستطيع منع من يريد المغادرة والذي يواجه اليوم واقعاً معيشياً صعباً. في السابق، كانت النقابة قادرة على التحرك بهامش أكبر من الحرية، إذ «كان بإمكانها الذهاب إلى السفارات لمنع ذهاب الممرضين والممرضات»، أو في أحسن الأحوال العمل على تحسين ظروفهم. أما اليوم، فقد بات من الصعب سلوك تلك الدرب، ولذلك تعمل النقابة وفق أجندة جديدة تهدف إلى تحسين ظروف وشروط عمل الممرضين والممرضات لناحية تحسين رواتبهم وتحسين بيئة العمل في المستشفيات والمراكز أيضاً، أي «العمل على جذور المشكلة». لكنه درب طويل لن يُسلك بين ليلة وضحاها، أو على الأقل قبل السادس عشر من آب.

 

تنظم ESLAN لقاءات مع الممرضين والممرضات في فندق ريجينسي بالاس للاتفاق معهم على عقود العمل

 

 

من جهتها، بدأت نقابة أصحاب المستشفيات الخاصة تحركاً باتجاه مؤسسة «Eslan»، وبحسب النقيب سليمان هارون، «فقد أرسلنا أول من أمس رسالة اعتراض عبر البريد الإلكتروني، إذ ليس من المقبول في هذا الوضع الحرج أن تقوم المؤسسة بتلك الخطوة الكارثية التي من شأنها أن تضعف القطاع الصحي أكثر». ومن المتوقع أن ترسل النقابة رسالة ثانية اليوم إلى السفيرة الفرنسية في لبنان في الإطار نفسه.

لكن، هل يمكن أن توقف رسائل الاعتراض العملية المنظمة؟ لا يبدو ذلك، فهذه المؤسسة تعمل اليوم على سلب بلدٍ من طاقاته العلمية والطبية في أقسى الظروف، من دون أن تحسب حساباً لأحدٍ. في البلد السائب، يحصل أن تفعل «الأم الحنون» ما يحلو لها، ولو كان ذلك على حساب صحة المواطنين. أمام تلك الكارثة التي تفتعلها المؤسسة، يصبح من السهل فهم الاستباحة الفرنسية الرسمية للبنان.

 

Eslan والعدو الإسرائيلي: العلاقة المشبوهة

هل تقتصر حكاية Eslan في لبنان على تلك الكارثة التي تهدّد القطاع الصحي؟ الأكيد أن ثمة جانباً آخر يتعلق بارتباطات تلك المؤسسة، وتحديداً علاقتها العلنية والمباشرة مع العدو الإسرائيلي، والتي تطرح علامات استفهام واسعة حول هذا الظهور في لبنان من باب القطاع الصحي. فهل لإسرائيل علاقة بذلك؟ وهل يرقى إعلان تلك المؤسسة إلى محاولة تنظيم هجرة جماعية؟ لا سيما أن الحديث يدور عن أعرق المؤسسات الاستشفائية الخاصة في فرنسا وأكثرها ريادة؟ ولعل ما يدفع للشك هنا هو علاقة المؤسسة المذكورة مع مؤسسات ومسؤولين إسرائيليين.

أول الغيث يبدأ من العنوان المذكور على الموقع التابع لـ»CRIF» (المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية): «إسرائيل تريد دخول نادي الدول الفرانكفونية». وهذا العنوان ليس إلا اقتباساً لكلام ميّار حبيب، الإسرائيلي الفرنسي من أصول تونسية – إيطالية، والذي كانت مهمته بالضبط هي العمل على دخول إسرائيل إلى «النادي». الرجل ذو الميول اليمينية الإسرائيلية المتطرفة، هو واحد من السياسيين المقربين من رئيس الوزراء السابق، بنيامين نتنياهو، وهو من كان يعتبره الأخير الممثل الخاص له في فرنسا. كما أنه نائب رئيس «المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية» (أكبر اللوبيات اليهودية هناك). وكان حبيب قد أطلق هذا التصريح خلال المؤتمر الذي دعا إليه «المعهد الأكاديمي في نتنانيا» في 3 آذار من العام 2011، والذي عقد في صالات الشرف المميزة في وزارة الخارجية الفرنسية وحضره أكثر من مئة شخصية بينهم سفير إسرائيل لدى فرنسا في حينه، يوسي غال، ووزير الإعلام والشتات… وميشال بودكير، الذي كان يدير في ذلك الحين مؤسسة استشفائية تدعى «فيتشي غروب». والأخيرة دُمجت عام 2015 مع مؤسسة أخرى تدعى «فاليتاليا»، لتصبح بعد ذلك مؤسسة ESLAN. والمؤسسة هي نفسها اليوم صاحبة عروض العمل للممرضين اللبنانيين اليوم، والتي تعتبر الرقم اثنين في فرنسا، من حيث قدرتها التشغيلية للمؤسسات الاستشفائية الخاصة هناك. كما لها علاقات وطيدة مع نظيراتها من المؤسسات الإسرائيلية، ففي عام 2016، حضر بودكير نفسه مؤتمراً في مدينة حيفا المحتلة من أجل تبادل المعلومات مع نظرائه الإسرائيليين والأميركيين بخصوص فيروس «زيكا»، وفق ما أوردته صحيفة «معاريف». أما العلاقة الأخرى للمؤسسة الفرنسية مع الإسرائيليين هي أنها تشغل البروفيسور الإسرائيلي ميشال ستارك كمستشار طبي لديها. وستارك بحسب ما يعرّفه موقع «إيكزيت فالي» هو الرجل الذي يجلب الاستثمارات للشركات الإسرائيلية الناشئة، وقد طوّر إلى جانب أطباء إسرائيليين وأجانب آخرين تكنولوجيات لعلاج أمراض عنق الرحم وعمل في مستشفيات إسرائيلية ومحاضراً في أكثر من جامعة.