ما بعد زيارة هولاند.. عودة إلى الحلقة المفرغة
اللبنانيون يعرضون همومهم.. وفرنسا «تتفهم»
حضر الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند.. وغادر. وما قبل الزيارة هو كما بعدها. لم يتغير شيء سوى الحضور المعنوي لرئيس فرنسي إلى لبنان.. لا أكثر ولا أقل.
تلك هي خلاصة الزيارة. لم يحمل هولاند شيئا، لا حول الرئاسة ولا حول النازحين، ولا حول أي من أزمات المنطقة المؤثرة على لبنان. أقصى ما قدمه كان: الإصغاء، التضامن، تأكيد الصداقة اللبنانية ـ الفرنسية، و«التحسّس» بحجم عبء النازحين السوريين.
لقاءاته مع القيادات الحزبية، التي لم تشمل «حزب الله»، كانت للتعارف وغلبت عليها المجاملات، أما لقاءاته الرسمية، فكان شديد الحرص على ملاحظة أنها تتم في غياب رئيس الجمهورية، وأما اللافت للانتباه فيها فكان «الاستقبال المتواضع» في السرايا الحكومية. فالرئيس تمام سلام كان حذرا، وبشكل مبالغ فيه بعض الشيء، حتى لا تفسر أية خطوة بروتوكولية على غير معناها، أو مصادرة لصلاحيات، وبالتالي لا يريد أن «يزعّل» المسيحيين.
وفي المقابل، كان «استقبال الحد الممكن» في مجلس النواب، ومع ذلك انبرت بعض الأصوات لانتقاد هذا الاستقبال. ولكن بري حرص على إضفاء التلوينة اللبنانية على الاستقبال فكان الى يمينه نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري ونائب رئيس مجلس الوزراء سمير مقبل الى جانب أعضاء هيئة مكتب مجلس النواب.
أبلغ هولاند مستقبليه «زيارتي في إطار جولة إقليمية تشمل مصر والاردن وكذلك لبنان الذي هو المحطة الأولى. لا نستطيع أن نأتي الى هذه المنطقة من دون المرور بلبنان نظرا لأهميته الكبرى في المنطقة. أنتم تعرفون فرنسا، فهي تقف معكم، ومع كل قضاياكم وتشعر بهمومكم، وزيارتي اليوم هي تعبير عن الصداقة معكم وعن التضامن معكم».
الرئيس سلام قال للرئيس الفرنسي إنه يعلق الأمل على فرنسا للمساعدة في التعجيل بانتخاب رئيس للجمهورية، وكذلك الامر في ما خص موضوع النازحين السوريين. وفي مجلس النواب طرح رئيس المجلس ملفاً كاملاً، الأساس فيه كان موضوع الإرهاب وخطره على كل العالم.
استعرض بري الموضوع الرئاسي، مع التاكيد أن الضرورة باتت ملحة لانتخاب رئيس، فأكد هولاند أن فرنسا تدعم انتخاب رئيس في لبنان في أقرب وقت ممكن وهي تؤيد ايضا ما يتفق عليه اللبنانيون في هذا الشأن.
وبعدما عرّج بري على موضوع «اليونيفيل» ودور القوات الفرنسية فيها، توقف مطولا عند موضوع الجيش اللبناني ومعه المؤسسات الامنية، وضرورة مساعدته بما يحتاجه في هذه المرحلة في مواجهة الخطر الإرهابي الذي يتهدد لبنان. ثم استحضر الهبة السعودية بالسلاح الفرنسي للجيش، والتي أضر إلغاؤها بلبنان وبالجيش، مع تأكيد أهمية انطلاق دور فرنسي لإعادة إحيائها. أما هولاند فقد أسِف لإلغاء الهبة، مؤكداً وقوف باريس مع دعم الجيش. واللافت هنا أن الجانب الفرنسي ألقى الكرة في الملعب اللبناني، حينما سأل وزير الدفاع الفرنسي المرافق لهولاند عن مشروع اتفاقية مع لبنان لها صلة بتسليح الجيش اللبناني. فرد بري أن مشروع الاتفاقية هذا قد أنجزته اللجان النيابية وصار جاهزا للإقرار في الهيئة العامة لمجلس النواب «ومع الأسف تأخير إقراره مرده الى عدم انعقاد مجلس النواب».
واستعرض بري موضوع اللاجئين السوريين بكل تفاصيله.
أما حول الإرهاب، فكانت لافتة إشارة هولاند الى «اننا ما كنا ندرك الخطر الحقيقي للإرهاب، وخاصة إرهاب تنظيم داعش، الى أن وصل إلينا في أوروبا. نحن متفقون معكم على أنه يجب أن يُقضى على الإرهاب». فقيل له: «مهما اشتدت الحرب على الارهاب في أماكن انتشاره، فلن يؤدي ذلك الى تحقيق الهدف الكامل، قد يضعف الإرهاب، قد تصيبه بأضرار كبرى، ولكن لا يمكن ان يقضى على هذا الإرهاب ما لم يجفف المنبع الذي يصدر منه، ويلقى التمويل والدعم منه».
واللافت للانتباه ايضا، أن النقاش مع الرئيس الفرنسي تناول كل شيء، حتى موضوع النفايات التي يعاني منها لبنان لم تغب عن ذهن هولاند.
ربما ما أرادته باريس من تلك الزيارة، حصلت عليه قبلها. وذلك عبر أسئلة طرحتها على «قوى سياسية لبنانية فاعلة»، سواء حول الرئاسة في لبنان أو الإرهاب، وتلقت أجوبة مفادها:
ـ الشغور الرئاسي في لبنان يشكل أزمة لكل اللبنانيين، وهو جزء من أزمة مترابطة.
ـ متابعة أي جهد لإيجاد حلول في الموضوع الرئاسي أمر مرحب به لبنانيا، كونها تنهي الفراغ في الرئاسة، ولكن «نصيحتنا» لباريس ألا تكون مقاربتها للملف الرئاسي اللبناني منحازة مع مرشح بعينه بمعزل عن الأمور الاخرى، هناك سلة كاملة مترابطة والانتخابات الرئاسية عنصر أساسي فيها وكذلك قانون الانتخابات النيابية.
ـ في المبدأ، يمكن أن نصل الى انتخاب رئيس للجمهورية اذا ما تخلى كل طرف عن مصالحه الشخصية، ولكن مع الأسف هذا الأمر صعب في لبنان، ذلك ان في هذا البلد أكثرية شعبية وأقلية شعبية، وأكثرية نيابية منبثقة من تلك الأقلية لا تطابق الأكثرية الشعبية، وصاحب الأكثرية النيابية لا يقبل مناقشة قانون جديد للانتخاب، لأنه يدرك أنه غير ملائم له.
ـ هناك فرقاء لبنانيون تمنوا على باريس ضرورة السعي لانتخابات رئاسية في لبنان قبل الانتخابات النيابية، وحاولوا إقناعها بمرشح معين، وهي أخذت جانب هؤلاء، على ما حصل حينما طرح سعد الحريري ترشيح سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، وكان لافتا حينها مبادرة الرئيس هولاند الى مباركة هذا الترشيح وتوّج ذلك بالاتصال شخصيا بالنائب فرنجية. نحن نحترم فرنجية، وسنصوّت له في البرلمان إن شاءت الظروف ذلك، لكن قناعتنا أن من رشحه يهرب من قانون الانتخاب.
ـ أخطر من الإرهاب نفسه، هو أن يأتي بعد كل هذه السنوات، من كان يدعي أنه يقاتل الإرهاب، ويسأل «كيف نقضي على الإرهاب»؟
ـ لبنان دفع ثمناً غالياً جراء إرهاب «داعش» وأخواته، وموقف فرنسا بالنسبة الى شريحة كبرى من اللبنانيين ما زال ملتبساً، سواء من الإرهاب الإسرائيلي أو من الإرهاب التكفيري الذي صارت باريس تنحو نحو التشدد حياله بعدما دفعت الثمن غاليا. نحن نصدق أن فرنسا تشعر بخطر الإرهاب، ولكن ما لا نستطيع أن نفهمه أنه برغم هذا الخطر ما زالت باريس تدعم الدول الراعية للإرهاب، والتي تولّد الإرهاب وتدعمه وتسلّحه وتحرّضه وتستخدمه سلاحاً سرياً ضد المسيحيين والمسلمين وكل العالم.
ـ لا يمكن إعطاء الإرهاب هوية دينية، وخصوصا هوية سنية، الإرهاب مشكلة سنية قبل أن تكون شيعية أو مسيحية أو عالمية، المشكلة هي مع الإرهاب البلا دين والذي يسعى بعض الأنظمة الى إلقاء العباءة السنية عليه.
ـ فرنسا ترفع شعار الديموقراطية، ومن هنا هجومها على النظام السوري واتهامه بالديكتاتورية، ولكنها في الوقت ذاته تقيم علاقات وثيقة مع أنظمة أقل ديموقراطية، وأكثر ديكتاوتورية من النظام السوري، وأنظمة لا تعرف معنى للديموقراطية.
ـ الأسئلة الفرنسية عن التدخل في سوريا، وتحديدا «حزب الله»، قد تكون مردودة الى الجانب الفرنسي، فإذا كانت فرنسا تقول ان تدخلها في مالي جاء استجابة لقرار من مجلس الامن الدولي، فتدخل «حزب الله»، جاء استجابة لإرادة شعبية لرد هذا الخطر عنا.
ـ بالنسبة الى اسرائيل، لا يؤمن جانبها. اسرائيل تتحين الفرصة للقيام بعدوان على لبنان، ولكن توازن الردع معها هو الذي ما زال يمنعها من ذلك. هذه هي المعادلة التي تفهمها اسرائيل.
لقاءات «بروتوكولية»
شملت لقاءات الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، في زيارته البروتوكولية الى لبنان التي استمرت يومين، رئيسَي مجلسَي النواب نبيه بري، والوزراء تمام سلام، وعددا من الشخصيات والمرجعيات الدينية في قصر الصنوبر.
واستهل هولاند امس لقاءاته في قصر الصنوبر في اليوم الثاني من زيارته للبنان، بلقاء صباحي عقده مع البطريرك الماروني الكاردينال بشاره الراعي الذي سلمه مذكرة خطية حول الشأن الوطني والإقليمي «أسوة بأسلافه البطاركة».
كما عقد هولاند لقاء موسعا ضم كلاً من: بطريركَي أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس يوحنا اليازجي، والروم الكاثوليك غريغوريوس الثالث لحام، مطران بيروت للروم الأرثوذكس الياس عودة، مفتي الجمهورية عبد اللطيف دريان، المفتي الجعفري الممتاز أحمد قبلان، وشيخ عقل الدروز نعيم حسن.
ووضع هولاند إكليلاً من الزهر أمام نصب الضحايا في قصر الصنوبر، بحضور وزير الدفاع سمير مقبل، وقائد الجيش العماد جان قهوجي، وضباط من قوات «اليونيفيل».
وكان هولاند التقى امس الاول الرئيس ميشال سليمان الذي سلمه نسخة عن الرسالة التي وجهها باسم «لقاء الجمهورية» إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، حول ازمة النازحين.
والتقى الرئيس الفرنسي ايضا رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» النائب وليد جنبلاط يرافقه زوجته ونجله تيمور. واستقبل وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل، على مدى ربع ساعة. كذلك استقبل رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية، في لقاء جانبي.
والتقى ايضا رئيس «حزب القوات اللبنانية» سمير جعجع.