إستكمل “الإسرائيلي” غاراته على البلدات اللبنانية في مناطق عدّة لليوم الثالث على التوالي، من دون حصول أي تحرّك للإدانة من قبل جامعة الدول العربية. غير أنّ مجلس الأمن الدولي عقد حتى الآن جلسة طارئة يوم الجمعة الفائت، لم يتمكّن خلالها من إدانة “إسرائيل” على اعتداءاتها الإرهابية على لبنان، التي استهدفت المدنيين عمداً وحصدت آلاف القتلى والجرحى، وذلك بسبب “الفيتو” الذي رفعه الأميركي ضدّ الإدانة. كما عقد مجلس الأمن جلسة ثانية مساء أمس الأربعاء، لبحث احتدام الصراع بين حزب الله و “إسرائيل”، والتي يُعوّل عليها كثيراً للتوصّل الى حلّ ديبلوماسي لوقف إطلاق النار عند الجبهة الجنوبية.
وكان رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي تحدّث عن “مساعٍ جدية” مع أطراف دولية، وعن أنّ الساعات الـ 24 المقبلة ستكون حاسمة، في نجاح هذه المساعي أو فشلها في التوصّل الى حلول سياسية”. في الوقت الذي صرّح فيه قائد القيادة الشمالية “الإسرائيلية” بأنّه “علينا الاستعداد لعملية برّية في الشمال”. فما هو السيناريو الجديد للعدو؟ وما الهدف من توسيع الصراع مع لبنان، رغم عدم إنهاء الحرب في قطاع غزّة والضفّة الغربية؟!
مصادر سياسية مطّلعة وصّفت تطور التصعيد في لبنان بسرعة كبيرة خلال الأيام الماضية، بأنّه “حرب استنزاف خطرة”، من المرجّح أن تطول الى ما بعد الانتخابات الأميركية التي ستجري في 5 تشرين الثاني المقبل، إذا لم يوضع حدّاً فورياً لها. فـ “الإسرائيلي” يستفيد ممّا تبقّى من أسابيع من الآن وحتى موعد الانتخابات لتوسيع جبهة الجنوب. فإذا فاز الرئيس السابق دونالد ترامب بالرئاسة، ساعده على تحقيق مشروعه التوسّعي في دول المنطقة، والعودة الى تطبيق “صفقة القرن” التي وضعها خلال ولايته الرئاسية السابقة. أمّا في حال فازت المرشّحة كامالا هاريس في هذه الانتخابات، فسيكون عليه إعادة حساباته، وعندئذ قد يقبل فقط بما يُعرض عليه، إن خلال المفاوضات غير المباشرة مع حركة حماس من جهة، أو مع حزب الله من جهة أخرى، سيما أنّ هاريس مع حلّ الدولتين جنباً الى جنب، خلافاً لترامب الذي يُشجّع على تحقيق “دولة إسرائيل الكبرى” من النهر الى البحر.
وترى المصادر أنّ المجال لا يزال قائماً لوقف التصعيد، في حال نجحت المساعي التي يقوم بها برّي ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، الذي غادر الى نيويورك للمشاركة في أعمال الجمعية العامّة للأمم المتحدة. ومن المرجّح أن يلتقي ميقاتي على هامشها عدة مسؤولين ، من بينهم الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين الذي لا يزال يضع اقتراحه للحلّ الديبلوماسي على الطاولة. ولعلّ أبرز ما يجري البحث فيه بشكل جدّي، وفق ما أفادت المعلومات، هو فصل جبهة الجنوب عن حرب غزّة والضفّة الغربية، وعدم بقاء عناصر حزب الله، ولا سيما “قوّة الرضوان” في منطقة جنوب الليطاني، الأمر الذي يُسهّل عودة المستوطنين الى منازلهم في المستوطنات الشمالية.
غير أنّ هذه المطالب “الإسرائيلية”، لا تزال مرفوضة من قبل حزب الله، على ما أكّدت المصادر نفسها، ما يفرض وقف إطلاق النار في قطاع غزّة أولاً، الأمر الذي سينعكس إيجاباً وبشكل تلقائي على الجبهة الجنوبية. فضلاً عن أنّ تراجع عناصر الحزب هو أمر غير ممكن كونها موجودة في المنطقة الجنوبية، بهدف حماية السيادة اللبنانية من أي اعتداء أو توغّل برّي عليها. فالتهديدات “الإسرائيلية” عن تنفيذ عمليات في الجبهة الشمالية لا تزال مستمرّة، وقد استقدم العدو، بحسب المعلومات، لواءين احتياطيين لتعزيز قوّاته عند هذه الجبهة.
هذا وتستمر المساعي الديبلوماسية الجديّة التي يقوم بها كلّ من برّي وميقاتي مع الجهات الدولية وخصوصاً مع الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا، لكيلا تنزلق الأمور من حرب مفتوحة الى حرب شاملة في المنطقة، يُصبح من الصعب إيقافها في حال طالت الى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية. وفي حال تمكّن هوكشتاين من عرض اقتراح مقنع على المسؤولين اللبنانيين، على ما أضافت المصادر، يؤمّن أمن سكّان قرى الجنوب مقابل أمن المستوطنين، وعودتهم بالتالي الى قراهم التي نزحوا منها أخيراً بشكل كثيف يوم الاثنين الفائت، بعد الغارات المكثّفة التي طالت بلدات كثيرة في الجنوب والبقاع الغربي، فإنّه سيكون من الممكن التفاوض غير المباشر على الحلّ السياسي والديبلوماسي، بدلاً من الحلّ العسكري الذي لن يؤدّي الى سوى المزيد من الدمار لدى الجانبين.
أما الاقتراح الوسطي فهو، على ما توقّعت المصادر السياسية، فهو أن يتمّ خلق منطقة محايدة عند الحدود اللبنانية- الفلسطينية، ليس في منطقة جنوب الليطاني التي تدخل ضمن مساحة وسيادة لبنان، لا يدخل اليها أي من الجانبين، إنّما فقط القوّات الدولية “اليونيفيل” أو أي قوّة فصل أخرى، الى حين التوصّل الى اتفاق برّي، أو تطبيق القرار 1701 بجميع مندرجاته وبنوده، في حال لم يقم مجلس الأمن الدولي من استصدار قرار جديد من شأنه وقف إطلاق النار بين الجانبين وإعادة الوضع الأمني عند الحدود الجنوبية الى ما كان عليه قبل 8 تشرين الأول الفائت.
وفي حال فشلت هذه المساعي الديبلوماسية، فترجّح أن تستمر الحرب المفتوحة على وتيرة متصاعدة لفترة أسابيع أو أكثر، الى حين تمكّن المجتمع الدولي من التدخّل وحسم الأمر. علماً بأنّ أيا من دول المنطقة ليس من مصلحته استمرار التصعيد في لبنان، كما أنّ المجتمع الدولي يُحذّر من امتدادها من لبنان الى دول المنطقة. وكان وزير الخارجية الأميركي توني بلينكن تحدّث عن أنّنا نعمل بلا كلل لتجنّب حرب شاملة في لبنان، فهل تنجح المساعي قريباً؟!