في السابع عشر من تشرين الأول، إنطلقَ في لبنان حزبٌ إسمُـه حزب الشعب – إحفظوا هذا التاريخ – لم يستحصل على ترخيص من الدوائر الرسمية، لقد اكتسب شرعيته من شارعِـه…
هذا الحزب، لم يولد في السابع عشر من تشرين، بل راح يتكوَّن جنيناً في رَحِـمِ المآسي فكانت الولادة القيصرية، وكان المولود الذي إسمهُ الثورة.
والثورةُ، التي لم تبدأ في السابع عشر من تشرين، فلا تنتهي إلاَّ بتحقيق التحوُّلات الإجتماعية والسياسية والوطنية التي أحدثـتها، ثورةُ النفوس ليس لها تحديدٌ زمني، وثورةُ الجياع لا تعني سـدَّ رمَـقِ الجسد، بل سـدَّ رمـقِ الشرف، لأنّ الجـوع يؤدي الى الـذُلّ.
هي ثورة الآباء الذين يستبصرون مستقبل أبنائهم الأسود، في وطـنٍ: لكلِّ مواطنٍ فيه وطـن، ولكلِّ وطـنٍ مذهب، ولكِّل زعيمٍ شعب، ولكل شعبٍ لغة، ولكلِّ حاكمٍ دولة، ولكلِّ دولةٍ رجال..
هي ثورةُ الأمهات اللواتي يرتَدْينَ ثياب الحداد وهـنّ أحياء، ثورةُ الحامل التي تلِـدُ ولا تبتهجُ بالمولود، كأنها تدفنُ منْ تلِـد…
هي ثورةُ الشباب الذي سرقوا منه الأمل في الوطن فراح يفتّـشُ عن وطـنٍ بديلٍ على أبواب السفارات .
الشباب، ليس له إلاّ مستقبلٌ واحد وحياةٌ واحدة، فإنْ ضاع مستقبله ضاعت حياته…
ولأنّ الضغط حتى الفجور يولّـد الإنفجار، لجَّـتْ في نفوس الشباب يقظـةٌ مباركة.. حطَّم أشباح اليأس… مـزَّق طلباتِ الهجرة… أبى أنْ يبقى مكتوماً مثل إبـن الحرام، فتمرّد ثائراً، ليبني دولة الوطن على رُكام دولة المزرعة.
ومثلما أنَّ الثورة الفرنسية قد أطلقت إعلان المبادىء الديمقراطية والمثلَّث الذهبي:”حرية إخاء مساواة”، فكان له تأثيرٌ فاعلٌ في أوروبا وسائر العالم.
هكذا جسَّدت الثورة اللبنانية هذا الشعار، ليكون له انعكاسٌ ديمقراطي فعليٌّ على العالم العربي، وانعكاسٌ حضاريٌّ فاعل على العالم العالمي.
رئيس الجمهورية، الذي دعا الى توحيد الساحتين، هو القائل: “في السياسة فسـاد، وفي الإدارة فساد، وفي المـال العام فساد، وفي بعض المجتمع فساد…”، وكأنّـه يتهيَّب القول: إِن الدولة أصبحتْ أشبهَ باللصّ الذي يحميه القانون، وحيثما كان للسلطة مكان، تمخّض الفساد وكان.
ولأنّ الرئيس طلب من المتظاهرين “أنْ يساعدوا” على اجتـثاثِ جراثيم الفساد، فقد خـصَّ جماهيرَ ساحات الشعب التي يكون بها العلاج أجدى من جماهير ساحات القصر.
نعم.. الدولة حسب أرسطو: “هي جمهور الناس، والناس أدرى بما هو خيـرٌ لهم من رجال يتولّون الحكم بالوراثة…”
على أيّ حال، ليس مهمّاً بعدُ ، شكلُ الحكومة ورئيسها والأعضاء، وليس مهماً أن تكون الحكومة سيادية، أو منقوصة الولاء.
لقد استعاد الشعب سيادته الديمقراطية، فهو المراقب والمحاسب والمعاقب، ولم يعُـدْ فوقَـهُ مَـنْ هو فوق، يرتكب الحرامَ ويدّعي على مجهول، ولم تستطع بعدُ الشياطين أن تـزوّر المفاتيح لدخول “جنّـة” الحكم.