عندما استخدمنا وصف «نصف العصابة» في شهر آذار الماضي في هذا الهامش لنشير إلى اللبنانيين الذين يتاجرون بقوت مواطنيهم ويحتكرون ويرفعون الأسعار، كان لا يزال في الأمر أملٌ ما يداخلنا بأنّنا كشعب لن نتواطأ أقلّه على أنفسنا، للأسف ما شاهدناه من طوابير عند أبواب محلات الصرافة يجعل أي مواطن لم يفقد بعد ثقته نهائياً بشعبه، ولا يزال يعتبر أنّه لا يزال هناك أملٌ ما في مكان ما في ثقب ما في هذا الحائط المسدود، هذا المشهد قضى على أيّ ذرّة أمل؟!
بالطّبع هذا أليس جلداً للّذات اللبنانيّة وتوبيخاً لها، لكن ما معنى أن يتآمر المواطن على نفسه ولقمة عيشه وعيش مواطنيه فيقف غير عابىء بمذاق الذلّ الّذي يعتبره «شطارة» للحصول على 200$ ليبيعها في السوق السوداء معتبراً أنّه ربح 200 ألف ليرة بهذه الطريقة، هل هناك أسوأ من هكذا مواطن يتسبّب في رفع أسعار المواد الاستهلاكيّة ويتسبّب في إخراج الدولار من إقتصاد بلاده ويدفع به صوب الإنهيار، معتبراً أنّه بما فعله «فلهوي وتاجر»!!
المدهش أنّنا نمضي وقتنا في الشِّكاية اليوميّة أمر معتاد ومألوف لدينا كشعب لبناني، غالباً، معظمنا، إن لم نقل كلّنا إلا من رحِمَ ربي، مصابٌ بهذه المتلازمة، ولكن، على هامش «الرَّدْن والنقّ» اليومي هل سألنا أنفسنا عن حجم تواطئنا مع هذه الدّولة على أنفسنا؟ الشِّكاية اليوميّة أمر معتاد ومألوف لدينا كشعب لبناني، غالباً، معظمنا، مصابٌ بهذه المتلازمة، ولكن وعلى هامش «الرَّدْن والنقّ» اليومي فضحت نهاية الأسبوع الماضي حقيقة استعداد معظمنا لبيع كلّ شيء من أجل بضعة ليرات، فهلّا كلّفنا أنفسنا عناء مساءلة أنفسنا عن حجم وجُرم تواطئنا مع هذه الدّولة على وطننا وأنفسنا؟!
بمرور الزّمن تخون الإنسان ذاكرته، ليست المرّة الأولى التي يشكّل اللبنانيّون عصابة بصور مختلفة يتواطؤون بها على أنفسهم ووطنهم، ويؤكد الواقع اليومي اللبناني الميؤوس منه أنّ حال البلد كـ»مرضٍ مستعصٍ»، وأنّنا أمام مسؤولين بلا ضمير يصرّون على إغراق الشعب اللبناني ـ الّذي اختار أن يلحس المبرد ـ في مستنقع اليأس والإحباط، وأنّهم يمارسون بالتكافل والتضامن مع الشعب نفسه أكبر عملية خداعٍ واحتيال في تاريخ لبنان وشعبه!!
لا بُدّ من إيقاظ الذاكرة اللبنانيّة على صورة احتلّت الصدارة في مشهد بداية السبعينات تآمر فيها المواطن على نفسه، ظاهرة تأجير شقق وبيوت بيروت للميليشيات الفلسطينيّة من أجل 3 أو 5 ليرات زيادة عن المبلغ الذي سيدفعه لبناني، كان المشهد يبدأ بثلاث أو أربع طلاب يستأجرون الشقّة يدفعون في الشهر الأول إيجار المنزل ثم يبقى منهم واحد فقط، ولكم أن تتخيلوا واقع بيوت الناس الذين اكرهوا على هذه الجيرة ومدى خوفهم على نسائهم وبناتهم وأبنائهم أيضاً، وعندما يقرع مالك البيت الباب ليطالب بالإيجار يضعون في وجهه مسدساً، هذه البيوت ظلت تنتقل من يد هالك لمالك إلى أن خرج هؤلاء المحتلّون مع منظمة التحرير بعد الاجتياح الإسرائيلي عام 1982.
بالطبع هذه ليست العيّنة الوحيدة يستطيع كثير من اللبنانيين أن يستعيدوا ذاكرتهم خصوصاً عندما يتحدّثون عن السياحة عندما لم تجد بيوت كثيرة غضاضة في إدخال شابٍ خليجي بمفرده يؤجّرونه غرفة في منزلهم متجاهلين أنّ هذا البيت فيه الزوجة والإبنة والأخت أيضاً، أمّا عن السياحة عموماً فكثيرون لا يتورّعون عن تغيير مهنم من أجل حفنة دولارات!!
ما الفرق بين الذين وقفوا في طوابير الذلّ جاعلين منها صفقات وقحة، وبين أولئك الذين لهثوا خلف الدينار والريال أو بضع ليرات، إسمحوا لنا.. نعتذر نحن لسنا «نصف العصابة» بل نحن أصل العصابة، وهكذا شعب تليق به هكذا دولة مافيا!!