تحتار من أين تبدأ وسط هذا المشهد اللبناني العقيم، فالبلد معبوثٌ فيه وعلى كلّ مستوياته، المهمّ لا أحد يستطيع أن يتهمّ شعباً بأكمله ـ باستثناء الأقليّة الناهبة للشعب ـ أنّه شعب متشائم أو مكتئب أو مستسلم، وحدهم الشباب اللبناني الذين أحمالاً فوق طاقتهم في هذا الوطن الذي لم يعد حلماً جميلاً بالغد لبنيه لا يزالون الأمل بمحاولاتهم التي تجدهم يبدأون بها من مكان ما، يقعون ثم يقفون، يفتحون باباً فيجدونه يُقفل في وجوههم فيحاولون من جديد ويفتحون باباً آخر، وقد لا تعرف أبداً من أين يأتون بتفاؤلهم، المهمّ أن يبقوا متفائلين مباركين وقادرين على نسج الأمل..
لهذا الهامش أربع بدايات كلّ واحدة في مكانها ترسم المشهد اللبناني، بالأمس قرأتُ نصاً عبر موقع فايسبوك لواحد من هؤلاء الشباب، أعرفه منذ ولادته عمره من عمر «اتفاق الطائف» هو من الجيل الذي اعتقد في 14 آذار عام 2005 أنه شارك في تحرير لبنان من الاحتلال السوري، وعلى مدى السنوات الخمسة عشرة الماضية تلقّى الخيبات الواحدة تلو الأخرى حتى وصل إلى المشهد الذي علق فيه اللبنانيون جميعاً، على حائطه كتب يوم أمس من الصباح وحتى المساء بأحداثه وحوادثه:
8:00 الصبح، السماء ممطرة والغيوم متلبدة
12:00 الظهر، الشمس ساطعة والعصافير تزقزق وتقضي الحاجة على السيارات والموتوسيكلات
3:00 بعد الظهر، 2000 حالة كورونا، 30 أموات، إقفال تام، الثورة راجعة، الثورة مسيّسة وعميلة، حادث بنفق خلدة
5:00 المغرب، عمليّة إنتحار
وبالأخير بيجي واحد جدبة بقلك: ما عم تابع الأخبار!
في زاويةٍ أخرى، كان الردّح شغاّل بين مستشاري فخامة رئيس البلاد والبركة طبعاً بصهر العهد الذي أوكلت إليه مهام إدارة الرئاسة والبلاد والحكومات والوزارات والمفاوضات لترسيم الحدود البحرية التي يتمسك بوزارة الطاقة التي ستصبّ عبرها مزاريب النفط والغاز بعد سنوات عشر ثانية في زمن يكون فيه إبنه ـ خيال إفتراضي ـ قد أصبح على رأس وزارة النفط ومشروع رئيس جمهوريّة بما أنّه ماروني متعرّض للتنمّر!!
بالأمس حذّر أنطوان حداد المستشار السابق للعلاقات العامة لرئيس الجمهورية ميشال عون، في بيانه الذي ردّ فيه على بيان القصر الجمهوري، حذّر «الحاشية التي تحيط بالرئيس ان تكف عن تحويل رئاسة الجمهورية الى دمية يتلاعبون بها بشكل غير دستوري فقد يصعب إصلاحها في حال عمدوا إلى كسرها»، سعادة المستشار بالتأكيد سيحتكّ أكثر بالشعب اللبناني بعد «فسخ عقده وطرده ومنعه من دخول القصر الجمهوري ـ بحسب بيان القصر ـ بعد خروجه من جنّة «الحاشية» سيكتشف أنّ كلّ الشعب اللبناني ما عدا الحاشية ورعيتها يدركون أنّ الدّمية كسرت وبات من المتعذّر إصلاحها، من خارج دائماً الرؤيا أوضح.
ومن زاوية أخرى، من أقسى الزوايا في يوميات المواطن اللبناني زاوية المتاجرة بصحته فَجَعَ ما كتبته مواطنة إسمها سماح خليفة شقير على موقع فايسبوك اللبنانيين من المسؤول، من الذي يجب أن يحاسب على مأساة هذه العائلة العالقة بين فجيعة الموت وتشلّع الضمير: «بابا كان عندو مشكلة بالروايا وضعف بعضلة القلب. دخل عالعناية بمستشفى معروف. طلع لازم نعمل فحص كورونا لنفوت نشوفو نص ساعة بيكلف 150,000 ل.ل وكل 5 أيام لازم ينعاد. قلنا ماشي عم يفتشو عمصلحة المريض. كنا عارفين وضعو حساس ومطوّل بالمستشفى. جربنا نشوف مطارح أرخص نعمل فيها فحص لنقدر نشوفو كلنا. طلع ممنوع نعمل الفحص برا. صرنا نروح مداورة كل جمعة حدا.. أنا ما إجا دوري ما شفتو. ما لحقت شوفو. لأن شوفة المريض صارت بمصاري، ولأن صرنا بزمن الإستغلال والتجارة.. تجارة بالموت والمرض والإنسان والإنسانية(…) كورونا منها مرض خطير، نفوس البشر المريضة هيي المرض الخطير، الطمع الوساخة الأنانية إنعدام الإحساس، هيدول هني المرض».. اختصرت مأساوية هذه الحكاية لم يعد بوسعنا احتمال هذا الصراخ في دواخلنا من كثرة ما يتاجرون بنا في هذا الوطن!!
ومن الزاوية الرابعة والأخيرة، وبشفافيّة أقول موقفي معروف من وئام وهّاب وقلت فيه في مقالين ربما ما فيه الكفاية، استوقفتني تغريدته بالأمس: «حتى ما تنتظرو الحكومة وكتير تتفاءلوا في خمسة إذا ما صارو بالقبر أو بالسجن ما راح ترتاحو يا لبنانيي. قولو الله بلكي بيستجب وبياخذ ودايعو»، بصراحة ليس خمسة فقط «هنّي يمكن أكتر من 500 بكتير»…