أسبوع في السياسة زمن طويل، كما يقال في بريطانيا وهي أم الديمقراطيات. ثلاثة أشهر على تكليف الرئيس سعد الحريري تأليف حكومة ما بعد الإنتخابات وقت قصير في اللعبة الديمقراطية اللبنانية. كذلك خمس سنوات بلا انتخابات نيابية، مدّد خلالها المجلس النيابي لنفسه بلا حرج. وسنتان ونصف بلا انتخاب رئيس للجمهورية، حيث وجدنا للفراغ تعبيراً ملطّفاً هو الشغور الرئاسي. وألف سنة في عينك يا رب هي كأمس الذي عبر.
لكن أمس الذي عبر في عيون أمراء الطوائف حمل من العبر ما ينطبق عليه قول الإمام علي: ما أكثر العبر وأقل الإعتبار. ثلاثة أشهر، والممثلون أنفسهم يظهرون على المسرح مكرّرين كلام الفصل الأول. لا شيء يتغيّر. لا في المواقف. لا في المطالب. لا في السجالات. ولا في السخافات والتفاهات التي أكدت موت السياسة على أيدي تركيبة سياسية ترفع أعلام النصر وهي تهرول في طريق إنحداري مدعية أنه طريق الصعود الى الغد الأفضل.
ثلاثة أشهر زادت فيها حدّة الأزمات على الناس وتكاثرت الأخطار على لبنان والتحدّيات أمامه، وبدأت نافذة الفرصة المفتوحة تضيق. ثلاثة أشهر شهد خلالها الصراع الجيوسياسي في الشرق الأوسط وعليه تطورات دراماتيكية. قمة هلسنكي بين الرئيسين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين اصطدمت الإتفاقات فيها ب الدولة العميقة في أميركا والحسابات الإقليمية المعقدة في المنطقة، بحيث فشل اللقاء في جنيف بين مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون وسكرتير مجلس الأمن القومي الروسي ألكسندر باتروشيف. المبادرة الروسية لعودة النازحين السوريين ينقصها التمويل قبل التعثّر أمام الجدار الأميركي والأوروبي والرفض لأية مشاركة في التمويل وإعادة الإعمار من دون التسوية السياسية. العراق الخارج من إنتخابات نيابية يواجه في تأليف الحكومة الشدّ الأميركي والايراني في اتجاهين متعاكسين. وحرب اليمن تستنزف الجميع في نفق لا ضوء في نهايته.
ولسنا خارج التأثر بذلك على الرغم من سياسة النأي بالنفس. ولا في منأى عن مفاخرة أطراف لبنانية بالتأثير في الأحداث والتطورات، ثم التلويح بالإستعداد لتوظيف الأرباح الخارجية في اللعبة الداخلية. والظاهر ان النأي بالنفس دخل مرحلة تتطلب التأويل وإعادة التفسير، سواء جرى التمسك به أو إخراجه من القاموس في تأليف الحكومة. والظاهر ايضاً أن أم العقد التي كانت مخفية تحت سطح العقد المعلنة، جرى دفعها الى مقدم المسرح، وهي السياسة الإقليمية للحكومة والمحور الذي يراد أخذ لبنان إليه.
والمفارقة ان المطروح في البازار الأميركي – الروسي هو إخراج ايران من سوريا، والمطروح في البازار الحكومي هو تعزيز النفوذ الايراني في لبنان.