مرة أخرى لا أفهم ماذا يحدث في لبنان.. ولا أستطيع أن أحدّد موقفي منه.. رغم إحساسي العميق بصدق كلّ الذين ينزلون إلى الشارع.. وما يتعرّضون له من تهميش وإقصاء كبيرين.. جعلهم ينزلون رافعين عشرات الأهداف والعناوين.. من البيئي إلى السياسي إلى الدستوري والقانوني.. حتى أن بعض النخب التي أحترمها لا تقول على صفحاتها الالكترونية سوى أنّها ستشارك في التّحركات و تحدّد مكان تجمّعها أو تواجدها في ذلك الحراك.. دون أن تقول كلمة واحدة تشرح فيها معنى الحراك..
الغضب هو الأمر الوحيد الواضح.. وما عدى ذلك فالأمور غير مفهومة.. لا من حيث الأهداف المرحلية القريبة او البعيدة.. وفي ذلك إنعدام للسياسة بأبسط صورها.. مما يجعل الحراك المدني في الشارع يلتقي مع مكوّنات النظام في انعدام السياسة أو موتها في لبنان..
لا بد ان نطرح بعض الاسئلة على الحراك، ماذا لو إستجابت السلطة لمطلب الإنتخابات البرلمانية الآن؟.. ومن سيشرف عليها وهو امر غير معروف.. وعلى أي قانون ستجرى الانتخابات وهو غير معروف أيضاً .. ومن هم مرشحو الحراك المدني على الإنتخابات النيابية القادمة؟ وفي اي مناطق وعلى أي مقاعد طائفية.. وما هي فرص فوزهم بتلك الإنتخابات؟.. وبدون جدال فإن الجواب هو انه لو وقعت الإنتخابات الآن كما يريد الحراك ستجدّد القوى الطائفية شبابها لعقود جديدة.. ولا اعتقد بأن قيادة الحراك لا تعرف هذه النتيجة الحتمية مع النظام الانتخابي الطائفي الاكثري والنسبي على حد سواء.. وهنا يأتي السؤال الأخير هل هذا هو ما يريده الحراك المدني؟.. أي التّجديد للطائفية السياسية في لبنان..
الأمر الوحيد الذي تحقّق فعلياً حتى الآن هو الفرصة المتاحة للظهور عبر شاشات المحطات التلفزيونية.. أي بروز وجوه تلفزيونية جديدة تحقّق من خلال حراكها مزيداً من المشاهدة للقنوات اللبنانية التي تعاني من أزمات حقيقية.. وبذلك نكون أمام موجة جديدة من الممثلين على الناس بدل الممثلين الحقيقيين للناس.. كما هو الحال في برامج «التوك شو» ونجومها التي تحقق أعلى نسبة من المشاهدة من دون أن تكون قادرة على الفوز بأي إنتخابات نيابية أو بلدية رغم أنها تحصد آلاف المشاهدات..
تزامن الحراك المدني مع مسلسل من الحشود العارمة لمكونات السلطة.. من مشهد وادي الحجير الكبير ثم حشد مدينة النبطية بمئات الآلاف ثم مشهد ساحة الشهداء البرتقالية الى احتفالية معراب الحاشدة الى عزاء بيت الطائفة في فردان.. وكلّها أكّدت القدرة العالية لمكونات السلطة على الحشد الكبير وبقيادة وأهداف واضحة.. مما يؤكّد أحقية هؤلاء بالإستمرار في السيطرة على السلطة في البلاد.. يبقى السؤال الأخير وهو متى ينتقل الحراك المدني إلى قاعات الإجتماعات والى عقد المؤتمرات وصدور المذكرات ووضع الأفكار الواضحة والاستراتيجيات والأهداف القريبة والبعيدة.. التي تليق بالنخب اللبنانية والشباب الذي يشارك في الحراك بدل الظهور على الشاشات و كيفما كان والإلتحاق بالسينمائية السياسية اللبنانية التي كانت السبب الأساس في موت السياسة في لبنان والتي تمثلت بالحكي على الناس بدل الحكي مع الناس..
أحمد الغز