انتهى أمس عهد استيلاء شركة «ليبان بوست» على قطاع البريد اللبناني الذي بلغ 25 عاماً تخلّلها 7 تمديدات، وامتيازات استحصلت عليها الشركة بقوّة الأمر الواقع، وبضوء أخضر سياسي أوصلها إلى حدّ إشغال أملاك الدولة مجاناً واحتكار خدمات مربحة من خارج العقد. لكن هذا الأمر لا يعني أن الدولة استعادت القطاع وقامت بتشغيله، بل عهَدَت بهذا «الامتياز» إلى محتكر جديد ذو أصول محلية يحمل جواز مرور فرنسياً.
جاء ذلك في ختام الجولة الثالثة لمزايدة البريد التي أطلقتها وزارة الاتصالات، والتي لم يحضر أيّ منها عدد كاف من العارضين لتأمين المنافسة. فالعارض الوحيد الذي حضر هو تحالف شركة «Merit invest – Colis Prive». الأولى هي شركة لبنانية مملوكة من رودولف سعادة الذي يملك شركة CMA-CGM للنقل البحري والتي التزمت تشغيل مرفأ بيروت. والثانية هي شركة فرنسية لديها رخصة توزيع بريد. وبما أن قانون الشراء العام يسمح بتلزيم العارض الوحيد ضمن شروط محدّدة، فقد أقفل ملف التلزيم على محضر يعلن فوز ميريت إنفست وشريكتها الفرنسية، وأحيل الأمر إلى إدارة الشراء العام التي ستعلن في تقرير مستقلّ مدى مطابقة الصفقة على دفتر الشروط وعلى قانون الشراء العام.
اهتمام عائلة سعادة بالبريد في لبنان لم يكن مخفياً، بل كان علنياً واحتيالياً أيضاً. فالعائلة تتوسّع في أعمالها بعد النقل البحري من خلال شركات أخرى تملكها، ومنها شركة تعمل في عمليات توزيع البريد، والتالي هي تريد استثمار مكاسبها المحصلة في النقل البحري والجوي أيضاً وصولاً إلى توزيع البريد. بواسطة هذه الشركة سحبت العائلة دفتر الشروط، إلا أنها سرعان ما أعلنت أنها عدلت عن رأيها، وقالت في بيان رسمي إنها لم تشارك في المزايدة، وتحديداً في الجولة الثانية منها. لكن فجأة، عادت إلى الساحة وشاركت في الجولة الثالثة وحيدة.
في عالم الأعمال، يستحيل أن تحصل هذه الخطوات صدفة، بل هي خطط مدروسة ومنسّقة. وما يعزّز هذه الشكوك، أنه لم يجر تدقيق واسع في المستندات التي تأهلت على أساسها الشركة في التلزيم، إذ يتردّد بين الشركات المنافسة، أن الرخصة التي على أساسها تحالفت الشركة الفرنسية مع الشركة اللبنانية لتحصل على الخبرة اللازمة للتأهّل، هي رخصة توزيع بريد، ولا تتضمن شبكة أو مكاتب بريدية.
لم يجر تدقيق واسع في المستندات التي تأهلت على أساسها الشركة في التلزيم
في هذه المسألة، وفي سواها لجهة التدقيق في توافر شروط العارض الوحيد، والمواصفات والمؤهلات، سينحصر عمل إدارة الشراء العام. وهي قد تأخذ في الاعتبار أن العزوف العلني عن المشاركة هو عمل ضمن خطة مدروسة ومنسّقة مع أكثر من طرف.
على رغم ذلك، اعتبرت اللجنة أن المواصفات والعرض المقدم مقبول، وأن الشركة مؤهّلة فنياً لاستلام قطاع البريد اللبناني. وزير الاتصالات جوني قرم وصف في حديثه إلى «الأخبار» فوز الشركة الفرنسية بالمزايدة بأنها «قصّة نجاح» لا سيما أن نسبة إيرادات الشغل لمصلحة الدولة المحدّدة في دفتر الشروط تحتّم ألا تقل عن 10% «فيما قدّم الائتلاف عرضاً بنسبة 15.50% أي ما يفوق النسبة المحددة». بينما دأبت «ليبان بوست» على دفع نسبة 5% من الأرباح المحقّقة للدولة وأضافت على مهامها أعمالاً غير مشمولة بالعقد من دون أن تدفع أي إيرادات للدولة منها بل أسهمت في هدر الأموال العامة. الأمر الذي سبق أن وثقه تقرير لديوان المحاسبة (راجع «الأخبار»)، واضعاً توصيات يدعو إلى اعتمادها في أي تلزيم جديد، وهو ما أخذته وزارة الاتصالات بالاعتبار عند إعدادها دفتر شروط التلزيم الجديد الذي راعى أيضاً ملاحظات هيئة الشراء العام.
وبحسب المعلومات سيدفع الائتلاف إلى جانب نسبة الإيرادات السنويّة المحدّدة (مدّة العقد 9 سنوات) مبلغ مليون دولار فريش مسبقاً كضمانة، على أن ترتفع نسبة الإيرادات في العامين الثالث والرابع إلى 17.5%، و20.15% في العامين الخامس والسادس، وصولاً إلى 23.25% في العام السابع، 26.35% في العام الثامن و31% في العام التاسع. هذا في ما يتعلق بالخدمات البريدية، فثمة قاعدة للمشاركة وتقاسم الإيرادات بين المنظم والمشغل بالنسبة إلى الخدمات غير البريدية محدّدة أيضاً في العقد. ووفقاً لوزير الاتصالات يفترض أن يتم تسليم وتسلّم القطاع ما بين «ليبان بوست» وائتلاف «ميريت – colis prive» في أقرب وقت ممكن على ألا يتعدى هذا التاريخ يوم 31 أيار 2023».