24؟ 30؟ 35 ألف ليرة؟… لم يعد هناك سعر لليرة مقابل الدولار. فبين عشية اعتذار الرئيس المكلف سعد الحريري عن تشكيل الحكومة وضحاها، خسرت الليرة 1.25 في المئة إضافية من قيمتها، منخفضة من 20 إلى حدود 24 ألف ليرة، فيما بلغ مجموع خسارتها مقابل الدولار منذ بداية الأزمة نحو 93.75 في المئة من مجمل قيمتها، والحبل على الجرار. منصات سعر الصرف تحولت خلال يوم أمس الطويل إلى “Slot machines” تتغير الأسعار عليها بين لحظة وأخرى. أما المواطنون فدخلوا في سباق محموم مع التجار لمحاولة شراء ما أمكنهم من سلع وحاجات، قبل أن ترتفع أسعارها ويقفلون أبوابهم حتى استقرار الأوضاع، مستذكرين أغنية “إسمع يا رضا” التي راجت في الثمانينات. حينذاك، “حطو” للخسة أسعار جديدة… وكل لحظة في سعر جديد.
بالمنطق، “فقدت الليرة اللبنانية قيمتها الفعلية قبل عامين عندما خسرت ثقة اللبنانيين، وإلا لما كنا شهدنا هذا التدهور. واعتذار الرئيس المكلف كان عنصراً مساعداً وليس أساسياً”، يقول مدير شركة مكتّف لتحويل الأموال ميشال مكتّف. فبحسب علم الرياضيات “لم تنخفض الليرة مع اعتذار الحريري بنسبة أكبر من انخفاضها مع مطلع الأزمة أو خلال الأشهر الماضية”، حيث أن نسبة انخفاضها من 20 ألفاً إلى 23 ألفاً تبقى أقل بكثير من انخفاضها من 1500 ليرة إلى 2000 و4000 ليرة في مطلع العام 2020. “إنما الذي يتغير اليوم أمران أساسيان، هما: حجم هذا التراجع، الذي سيزداد حكماً مع كل انهيار في سعر الصرف، ومنسوب ثقة المواطنين بعملتهم”، بحسب مكتّف. فـ”طالما بقي اهتمام من يتقاضى راتبه أو أجره أو ربحه بالليرة اللبنانية محصوراً بشراء الدولار من الصرافين للمحافظة على قيمة أمواله أو رأسماله، فهذا يعني أن الثقة بالليرة معدومة”. من هنا، لا يمكن تحميل حدث بعينه مسؤولية انخفاض سعر الصرف. بل إن الإنهيار المستمر، حتى ولو كان بوتيرة بطيئة نسبياً، هو النتيجة الطبيعية لمجموعة من التراكمات، توّجت باتخاذ قرار سياسي خاطئ منذ سنوات، ندفع ثمنه اليوم، وسندفعه غداً والذي بعده طالما لم تحل الأمور بالسياسة”.
بنَفس صامد مهما اشتدت الازمات يقول مكتف: “أنا عند رأيي، المشكلة سياسية ومرحلية وليست إقتصادية وهي قابلة للحل بشرط إيجاد الحل السياسي”. وعن إمكانية دخول لبنان منعطف فنزويلا لجهة التضخم المفرط، يعتبر مكتف أن “مشاكل الدول تقاس بحجم اقتصادها. وما تفاقم المشاكل في فنزويلا وغيرها من الدول إلى هذا الحجم الخطير سوى نتيجة أو انعكاس لحجم اقتصادها الكبير. في حين لا يتجاوز حجم الإقتصاد اللبناني 25 مليار دولار، في حال أضيف عليه العجز المسجل سنوياً في الموازنة بقيمة 5 مليارات دولار”. مستشهداً بقول الراحل البطريرك مار نصرالله بطرس صفير “لبنان ما بيجي قد حي بالقاهرة”، ويضيف: “بالإقتصاد أيضاً. فمشكلة الكهرباء في مصر استلزمت على سبيل المثال 25 مليار دولار لتحل، فيما لن تكلف في لبنان اكثر من 2 مليار دولار. وعليه فان مشكلة لبنان محصورة ببضعة مليارات من الدولارات، يمكن تأمينها من الدول المانحة وتلك التي وقفت تاريخياً الى جانب لبنان التي تنتظر تغييراً ساسياً جدياً”.
“المرحلة صعبة”، بحسب مكتف. “لكن ليست سوداوية إلى هذه الدرجة. فلبنان قطع عليه الكثير من العهود التي سقطت في السياسية والإقتصاد وما زال صامداً. والوضع سيتغير في المستقبل إذا فهمنا أن مواجهة الأزمات لا تكون بتغيير الدساتير والقوانين، إنما بإقصاء الأشخاص الذين أوصلونا إليها”.
إلى حين تحقيق التغيير المنشود فان الليرة تذوب تدريجياً. ولعل أخطر ما يواجهها هو توقف أصغر المصالح والمؤسسات التجارية عن القبول بها، نتيجة تذبذبها السريع واشتراطهم الدفع بالدولار فقط. فهل يحدث التغيير سريعاً أم تقضي السياسة على ما تبقى من روح الصمود والإستمرار؟