على المنوال نفسه الذي اتّبعه «حزب الله» قبل انتخاب العماد ميشال عون رئيساً ببندقية المقاومة، تتبع ايران في لبنان سياسة التمسك بالمكاسب التي حققها لها الحزب، وأهمها مكسب الاحتفاظ بالرئاسة اللبنانية، لكن هذه المرة يتبع «حزب الله» اسلوباً مختلفاً ناتجاً عن اختلاف الظروف والتوازنات، فيستعيض على حوائجه الرئاسية بالكتمان، لان الوقت لم يحن بعد لافتتاح معركة الرئاسة، وتبعاً لذلك فإن انتخاب الرئيس الجديد ينام في ادراج «حزب الله»، بانتظار الوقت المناسب سواء في الداخل او في المنطقة.
لم يفتح «حزب الله» أي باب جدي للكلام عن الاستحقاق الرئاسي بمنطق التسوية، فلا وليد جنبلاط الذي دق الباب سمع الجواب، ولا بكركي التي قيل إنها تلقت رسالة من الحزب أنه مع التوافق، أقرت بوجود تطور على هذا الصعيد، أما في الخارج فلم يكن حظ ايمانويل ماكرون مع ايران في الملف الرئاسي موفقاً، إذ بدا بعد كل الاتصالات الفرنسية مع ايران، أن الاخيرة متمسكة بانتخاب رئيس صافي الولاء كالرئيس ميشال عون، وأن كل ما تم التكهن به عن ليونة ايرانية لم يكن سوى سراب.
في المعطى العملي باتت ايران الآن في فترة توقف المفاوضات في فيينا أقرب الى التمسك بأوراقها اللبنانية من دون تفريط بأي منها، وأولها ورقة الرئاسة. وفي فترة توقف المفاوضات ايضاً، اقتربت ايران من الموقف الروسي، حتى يمكن القول إنها دخلت أكثر الى معادلة الوقوف الى جانب روسيا التي تتعثر في أوكرانيا، وهذا الاقتراب الايراني من روسيا، سيترجم في موقف ايران بكل الملفات وفي مقدمها ملف لبنان، الذي وضع ملف الرئاسة فيه في ثلاجة الانتظار.
التصلب الايراني ترجم ايضاً بفشل اللقاء الذي جمع الرئيسين الفرنسي والايراني ماكرون ورئيسي في الامم المتحدة، حيث استمر التباين بين الموقفين الفرنسي والايراني من الملف الرئاسي، فإيران مصرة على رئيس ايراني الولاء في بعبدا، وهي اعتمدت صيغة الهروب التقليدية من إعطاء اي إجابة عبر احالة الملف الى الأمين العام لـ»حزب الله»، أما فرنسا فقد فشلت بتسويق نظرية رئيس إدارة الأزمة، وانتهى اللقاء الى التعثر ولم يحصل أي اختراق، ليبقى ملف الرئاسة مجمداً حتى اشعار آخر.
في حسابات «حزب الله» أن الوقت لم يحن بعد للإفصاح عن الخطة والمرشح في الانتخابات الرئاسية. فهذا الملف مؤجل الى ما بعد الحسم النهائي لمصير المفاوضات النووية، والى ما بعد ملف الترسيم، والى ما بعد تشكيل حكومة «حزب الله» الجديدة، التي يريدها حكومة ادارة الفراغ وادارة العلاقة بين حلفائه المرشحة لان تتفجر بسبب الانتخابات الرئاسية. أما في الصراع بين الحلفاء فلكل منهم دور ولو مؤجل، من جبران باسيل الذي يمكن ان يعتمده الحزب اذا ما نجح في رفع العقوبات عنه، الى سليمان فرنجية الذي يبقى ترشيحه ورقة للاستعمال عند الحاجة. لكن وعلى الرغم من كل ذلك فإن «حزب الله» يقترع في هذه المرحلة لفخامة التأجيل، الذي لا بد أن ينتهي أوانه، مع اتضاح الصورة في المنطقة، ومع القدرة على اعادة تسويق مرشح مضمون الولاء يكمل به «حزب الله» ما بدأه مع العماد ميشال عون الرئيس المنتخب ببندقية المقاومة لخدمة مشروع ايران.