لا جدال في أن للحضور الروسي على الساحل السوري أثره المباشر على الأوضاع في لبنان، انسياقاً مع جدلية العلاقة العضوية بين البلدين، والتي بنتيجتها استطاع فريق لبناني ممانع أن يعطل انتخاب رئيس جمهورية لبنان، ربطاً لعملية الانتخاب بمآل النظام السوري المأزوم.
وعليه بديهي أن يكون للحضور العسكري الروسي في سوريا، دور في لعبة الاستحقاقات اللبنانية، لأن حجم الحضور الروسي غطى شتى الأحجام الأخرى المتواجدة على المحاور السورية، بل وحل محلها أيضاً. وهذا من طبيعة الأمور، فاللعبة في سوريا محورها حماية النظام، ولما فشل النظام في حماية نفسه، استعان بالحليف الايراني، وبحليف هذا الحليف، حزب الله، وبالتالي آلت دينامية القرار في دمشق، وعبرها، الى من دخل حامياً، وبات سيداً…
وفي سياق هذه السيادة، جرى تشغير رئاسة الجمهورية اللبنانية، ثم تعطيل مجلس النواب واستطراداً الحكومة، التي ضربها العجز حتى عن لملمة النفايات من الشوارع…
وهكذا تحول لبنان الى ورقة في مهب الصراعات الاقليمية والدولية على سوريا خصوصاً، وملفاً في سلة ملفات القوة الايرانية التي وضعتها طهران على طاولة مفاوضاتها النووية مع الغرب، التي قطعت شوطاً واسعاً من الصيرورة.
والآن، اما ان ايران وفت بقسطها للعلى من الانغماس في معركة الدفاع عن النظام السوري، وحققت الغرض المطلوب، وبات عليها الانكفاء ضمن شروط الاتفاق النووي المفترضة، واما انها شعرت بأن النظام الحليف في دمشق بات اضعف من ان تستطيع وحدها حمايته من السقوط المؤكد، فكان الاستنجاد بالدب الروسي المتحفز دائماً الى وضع رجليه في مياه المتوسط الدافئة، وبوجه الغرب الحائل دون استفراده الجارة الأوكرانية الجميلة، والفارض عليه أشد العقوبات التجارية، والحارق لأسعار نفطه والغاز، مصدري ثرائه الوحيد.
بعض الاوساط اللبنانية ردت الحضور العسكري الروسي الكثيف، والمتسارع، الى سرعة تداعي النظام والمدافعين عنه، معطوفة على قرب القمم الدولية على هامش افتتاح الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبينها قمة أوباما – بوتين، الذي شاء التأكيد على أهمية هذا اللقاء مع أوباما، بذلك الحضور العسكري الكبير على الشاطئ الشرقي للمتوسط، حائلا دون ما قد يتذرع به نظيره الأميركي للمماطلة أو التأجيل.
وثمة أوساط أخرى تفضل ان تقرأ هذا الحضور الروسي بالصفحة الاستراتيجية البعيدة المدى للرئيس الروسي، الذي يرى ان الشرق الأوسط هو بوابة عودته الأوسع الى ميدان الصراع مع الغرب، فمن خلال وجوده المباشر في سوريا وغير المباشر في العراق وايران ولبنان، يفرض نفسه على الرأس الآخر لطاولة التسويات العربية – الاسرائيلية قباله الأميركي المتفرد بهذه الطاولة. ومن هنا يجب التذكير بزيارته الشهيرة الى اسرائيل، منذ بضع سنوات، في ذروة ارتباك السياسة الأميركية في المنطقة، وما عنته تلك الزيارة من ضمانات روسية لاسرائيل، كررها مؤخرا لدى استقباله نتنياهو…
وضمن هذه الاستراتيجية أيضا ملاقاة الدواعش الروسية الآسيوية في معقل نشوئها في سوريا والجوار، قبل ان يضطر لمواجهتها على ساحات الاتحاد الروسي بالذات.
بالنسبة الى لبنان، الاعتقاد ان من تكون له الإمرة العسكرية في سوريا، وعلى كل من في سوريا، لا بد من ان يكون له الرأي السياسي المسموع بكل الاستحقاقات اللبنانية المسلم بالرأي السوري بها غالباً، فهل يستعجل الحضور الروسي في سوريا الاستحقاقات اللبنانية المعلقة، بوصفه المفاوض الأكبر بلسان الممانعة، بالتناغم مع الأميركي الذي يمثّل الطرف الآخر، أم يكون حنّا كما حنين، وبالتالي علينا بالمزيد من الانتظار؟