يُعتبر الدور الروسي في الملف الرئاسي اللبناني، تاريخياً، محدوداً، فيما كان الدور الأساس في هذا الإستحقاق للغرب وخصوصاً واشنطن، وفي السنوات العشرين الأخيرة لدولٍ إقليمية أيضاً من سوريا إلى السعودية وإيران. لكن إنطلاقاً من الواقع الجيو-سياسي والتحالفات والمحاور في المنطقة راهناً، يُمكن أن تلعب موسكو دوراً في الملف الرئاسي انطلاقاً من قدرتها على التأثير من خلال علاقتها بدمشق وطهران. لكن على رغم ذلك، يبقى الدور الخارجي الأساس والأكبر في الملف الرئاسي الآن، في أيدي واشنطن وطهران والرياض.
الفريق الداخلي المؤيّد لترشيح رئيس تيار «المرده» سليمان فرنجية يسوّق إعلامياً أنّ موسكو تدعم فرنجية وتعمل على تعزيز إمكانية انتخابه رئيساً للجمهورية، عبر «كفالته» أمام دول عربية و»ضمان» الضمانات التي يُمكن أن يقدّمها. لكن ما يُقال عن الدور الروسي هذا مبالغ فيه، وهو في الحقيقة «تمنيات»، بحسب جهات التقت مسؤولين روساً أخيراً وعلى بيّنة من موقف موسكو. وتشير الى أنّ مؤيدي فرنجية في الداخل حاولوا إدخال روسيا جدّياً على الخط الرئاسي، انطلاقاً من أنّها كدولة عظمى ووازنة إذا سارت بفرنجية كفرنسا، ستصنع فارقاً في مسار الملف. إلّا أنّ الروس وفق المعطيات، لا يضغطون ولا يعملون لإيصال فرنجية كما يفعل الفرنسيون، ويكتفون بإبداء رأيهم عندما يُطرح الموضوع معهم من أي دولة، فيبدون ترحيبهم باسم فرنجية، لكن من دون «تبنّي» هذا الترشيح أو وضع «فيتو» على أي مرشح.
وعلى رغم أنّ فرنجية قريب من روسيا، ويعرفه المسؤولون الروس الذين التقوه مراراً، على عكس مرشحين آخرين، وتعتبر موسكو أنّ سياسته الداخلية والإقليمية وعلاقته بالرئيس السوري بشار الأسد و»محور الممانعة»، تريحها، وإذا اقتضت الظروف أن تلعب دوراً مسهلاً لفرنجية ستلعبه، إلّا أنّ الملف الرئاسي ليس ضمن أولوياتها ولا تتابعه كما تفعل فرنسا ولا يشكّل أهميةً لها مثل إيران والسعودية. وهي لا تقوم بدور استثنائي لدعم فرنجية كما يحاول البعض في لبنان أن يوحي، ولا تعتمد المقاربة التي تعتمدها فرنسا التي تتمسّك بفرنجية لأسباب ومصالح اقتصادية. بل إنّ الموقف الروسي متوازن ومتّزن في الملف الرئاسي اللبناني، بحسب المصادر نفسها، فضلاً عن أنّها منهمكة بحربها في أوكرانيا، وتبقى سوريا محطّ اهتمامها في المنطقة. لذلك إنّ الملف اللبناني ليس أولوية لروسيا ولا تحمله و»تمشي به» كفرنسا.
إنطلاقاً من ذلك، وحتى الآن، لا توجُّه روسياً إلى إطلاق مبادرة أو عمل على الخط الرئاسي اللبناني، بحسب جهات التقت مسؤولين روساً أخيراً. وبحسب حديث مسؤولين روس كبار عن ملفات الشرق الأوسط في بعض اللقاءات، تتوقّع موسكو نظراً إلى الأوضاع المزرية في لبنان، أن يحصل توافق داخلي بشكل أو بآخر رئاسياً وخارجي سعودي– إيراني– فرنسي. وإذ تعتبر أنّ حظوظ فرنجية ما زالت قائمة لأنّ أبواب الرياض لم تُغلق بوجهه نهائياً، خصوصاً مع استمرار «طرق» هذه الأبواب من الفرنسيين، تعتبر أنّ هذا لا يعني أنّ انتخابه محسوم، بل قد تفضي التسوية الى رئيس آخر وقد يكون غير متوقع. ويعتبر الروس أنّ حظوظ فرنجية قائمة، انطلاقاً من أنّه مرشح فريق داخلي وازن ومدعوم من فرنسا الدولة الكبيرة، ولا مرشح جدّياً آخر حتى الآن ينافسه. ويرى الروس أنّ أي مرشح تتوافق عليه القوى المسيحية ويُدعم من بكركي سيقلب المعادلة رئاسياً.
وفي حين لا تلعب روسيا دوراً فاعلاً في دعم فرنجية، على رغم أنّ انتخابه يشكّل مصلحة لها، «تستميت» فرنسا لإيصاله، وذلك لأسبابٍ اقتصادية تجارية، إذ إنّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تحديداً يضع مصالح بلده الاقتصادية قبل المبادئ والقيم التاريخية، تحديداً في مقاربة الملف اللبناني، وخصوصاً مع الموارنة الذين لطالما اعتبروا أنّ فرنسا «الأم الحنون». ففرنسا، إضافةً إلى ما بات مكشوفاً عن مصالحها في نيجيريا ولبنان في ملف النفط واستثمارات أخرى، مع رجال أعمال يدعمون فرنجية وقريبين من «الثنائي الشيعي»، تحرص على علاقتها مع طهران، لأنّها تتوقع، كما يقول مسؤولون فرنسيون في بعض اللقاءات، أنّ العلاقة بين واشنطن وطهران ستشهد انفراجات عاجلاً أم آجلاً ما يؤدّي إلى «حلحلة» في ملف العقوبات. لذلك تحاول فرنسا مسبقاً أن تكون المستثمر الأوّل في إيران في شتّى المجالات، بعد رفع العقوبات عنها، خصوصاً أنّ البنى التحتية الإيرانية تحتاج إلى استثمارات سريعة في كلّ القطاعات. وبالتالي تنطلق سياسة فرنسا الخارجية في ملفات عدة من «نظرة إلى البعيد»، وتحديداً إلى الاستثمارات في إيران التي تعتبر أنّها «منجم ذهب»، تسعى إلى «الغرف» منه قبل أن تسبقها إليه دول أوروبية أخرى.