على الرغم من اقتناع الجميع بان الملف الرئاسي اللبناني مرتبط حكما بالتسوية، التي ستعقب لحظة وقف العدوان على غزة، وبالمفاوضات التي ستلي تلك اللحظة التي ستحتم الحديث عن Deal او Package متكامل، تصر “الخماسية” على كسر الجمود المسيطر على الملف، في محاولة منها لابقائه في سلم الاولويات وعدم ادخاله في ثلاجة الانتظار، فتراها تكثف اجتماعاتها إما كـ “خماسية”، وإما بشكل افرادي مع بعض النواب والكتل، والتي يمكن حتى الساعة توصيف غالبيتها بالعبثية. اجتماعات سيزيد من زخمها الزيارة المرتقبة للموفد الفرنسي جان ايف لودريان الى بيروت يوم الثلاثاء، وما قد يحمله معه من افكار يطرحها على المعنيين. ماذا في جَعبة الفرنسيين هذه المرة؟
مصادر مطلعة على الجو الفرنسي تكشف ان زيارة لودريان ستكون مقتصرة على يوم واحد، اذ يصل يوم الثلاثاء ويبدأ اجتماعاته التي ستستمر حتى ظهر يوم الاربعاء، على ان يغادر الخميس. ومن المتوقع ان يجتمع لودريان بكتلة “الاعتدال الوطني”، صاحبة المبادرة التي لا تزال حتى الساعة تدور بحلقة مفرغة. لكن اجندة لودريان كما هي مبرمجة حتى الساعة تشير بحسب المعلومات، انه سيعقد فور وصوله الى قصر الصنوبر قرابة الثانية ظهرا اجتماعا مع مسؤولين في السفارة، على ان يستهل لقاءاته من السراي حيث يلتقي في الخامسة عصرا رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي، ويتوجه بعدها الى كليمنصو للقاء وليد جنبلاط وتيمور جنبلاط، على ان يكون في الساعة السابعة على موعد مع سليمان فرنجية في منزل طوني فرنجية وفي حضوره، ثم يعود بعدها الى قصر الصنوبر حيث سيكون هناك مأدبة عشاء قد تجمع بعض النواب.
ومن المتوقع ان يستكمل لودريان لقاءاته يوم الاربعاء باجتماع صباحي في العاشرة مع رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” محمد رعد ومعه عمار الموسوي في قصر الصنوبر، على ان يتوجه بعدها الى عين التينة للقاء رئيس المجلس نبيه بري، ويجتمع بعدها الى مأدبة غدا في قصر الصنوبر مع بعض نواب “التغيير”، ثم ينتقل الى بكركي في الرابعة والنصف للقاء البطريرك الراعي.
وسيختتم لودريان لقاءات يوم الاربعاء باجتماع مع سفراء “الخماسية” في الساعة الثامنة مساء، على ان يغادر صباح الخميس عائدا الى باريس. مع الاشارة الى ان لقاء سيجمع لودريان برئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل لم يحدد موعده بعد على اجندة الموفد الفرنسي. علما ان لقاءاته قد تشمل ايضا قائد الجيش، ولو ان اي موعد ثابت لم يحدد بعد.
في مضمون ما قد يطرحه الموفد الفرنسي، العائد من زيارات سابقة شملت واشنطن والرياض والقاهرة والدوحة التي أجراها في الفترة الأخيرة، تشير المصادر المطلعة على الجو الفرنسي الى ان الهدف الاساس من الزيارة هو محاولة فرنسا استعادة دورها بين الدول على الساحة اللبنانية، والتأكيد انها موجودة. علما ان حركة لودريان منسقة مسبقا على مستوى رئاسي اميركي – فرنسي، اذ تشدد المصادر على ان الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بات ينسق بملف لبنان مع الولايات المتحدة الاميركية وحتى مع السعودية، ولو ان المصادر تجزم ان لا جديد ملموسا قد يطرحه لودريان باستثناء الحث على وجوب الذهاب للحوار او التشاور.
وفيما تراود فرنسا منذ انفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب، فكرة اخذ المبادرة والعمل على توجيه دعوة لمؤتمر لبناني ينعقد على الاراضي الفرنسية، تستعيد من خلاله دورها المحوري التاريخي في لبنان، تلفت المصادر المتابعة للجو الفرنسي الى ان لودريان قد يجس نبض من سيلتقيهم في بيروت حول هذه الفكرة، علما ان اوساطا لبناينة بارزة تؤكد عدم وجود حماسة لهذه الفكرة لدى معظم الفرقاء في لبنان، حتى ان بري الذي كسر قراره بعدم تلبية اي دعوة لزيارة خارجية باستثناء زيارة ايران، حيث أدى واجب العزاء بوفاة الرئيس الايراني ووزير الخارجية، لا يزال على موقفه بعدم تلبية الدعوات الخارجية قبل انتخاب رئيس للجمهورية، في اصرار منه بوجوب ان يكون الاستحقاق الرئاسي بانتاج لبناني.
وفي هذا السياق، يؤكد مصدر موثوق به ان لا دوحة 2، ولا سان كلو جديد، مشددا على ان الظروف الراهنة تختلف عن السابقة ولا احد يحبّذ هذه الفكرة. ويكشف المصدر ان لودريان الذي يتحرك بتنسيق مع “الخماسية” ايضا، سيركز في محادثاته مع المسؤولين اللبنانيين على فكرة الحوار او التشاور، وسيحاول ان تخرج زيارته بنتيجة ترضي الجميع لناحية القبول بالذهاب لحوار، او نقاش او تشاور تحت قبة البرلمان، ما دامت غالبية الاطراف تفضل الحوار الداخلي على ارض لبنان لا في الخارج.
وفي الاطار نفسه، تشير مصادر مطلعة على الجو الخارجي الى ان الهدف الاساس من الحراك الخارجي، هو التوصل الى حل اساسه الحوار يقبله الجميع، اي يرضي بري من جهة، والاطراف الرافضة لمبدأ الحوار قبل جلسة الانتخاب من جهة اخرى، وقد يكون المخرج باستخدام تعبير تشاور، وشرطه الوحيد الا يكون “مشروطا” اي ان لا يأتي اي طرف ويقول: “تفضلوا لنتحاور كي نقنعكم بمرشحنا”، يتم بعدها الاتفاق او طرح سلة اسماء ثم تحديد موعد لجسات بدورات متتالية.
وتجزم المصادر ان فرنسا كما غيرها من الدول الاعضاء في “اللجنة الخماسية” اتفقت على عدم الحديث او طرح اي اسم وترك هذه المسألة للبنانيين حصرا، حتى ان الوافدين من القيادات اللبنانية على خط بيروت – الدوحة لم يسمعوا خلال اجتماعاتهم في قطر اي حديث عن اسم معين تفضله قطر للرئاسة.
على اي حال، وبانتظار ما قد يحمله في جعبته الموفد الفرنسي، والتقرير الذي سيرفعه للمعنيين في بلاده يتحدث فيه عن محصلة جولته الجديدة في بيروت، لكي يكون هذا الملف جاهزا في لقاء القمة الفرنسية ـ الاميركية المتوقعة بين الرئيسين ايمانويل ماكرون وجو بايدن في باريس في 6 حزيران المقبل، على هامش الاحتفالات السنوية بذكرى إنزال النورماندي خلال الحرب العالمية الثانية، يقول مصدر موثوق به ان كل ما يحكى عن مهل رئاسية تفرج عن هوية الرئيس العتيد مع نهاية ايار او حزيران مجرد كلام، غير مبني حتى الساعة على اي معطى جدّي، وعليه فلا رئيس في حزيران، وكل الملفات مجمّدة لما بعد الحرب على غزة!