مرة جديدة سيدفع طلاب الجامعة اللبنانية هذا العام فاتورة سياسة الوعود الفارغة والتطنيش التي تعتمدها الدولة مع أهل الجامعة، إذ سيُلازم 80 ألف طالب منازلهم بعدما دعت رابطة الأساتذة المتفرغين إلى المشاركة الكثيفة في الاعتصام قبل ظهر اليوم في ساحة رياض الصلح بالتزامن مع انعقاد جلسة مجلس النواب. في هذا السياق، علمت «الجمهورية»، أنّ كيل الأساتذة قد طفح وهواجسهم ارتفعت في ظل الحديث عن خفض رواتب وحقوق مكتسَبة، لذا بعضهم بدأ يطالب الرابطة بالتصعيد كالتوقف كلياً عن التدريس إلى حين تلمس أيَّ بارقة أمل.
كأنّ شيئاً لم يتغيّر سوى أنّ التجاعيد على وجوه الدكاترة زادت، والسواد في محيط عيونهم اتّسع. في نيسان 2018 أطفأت الجامعة اللبنانية شمعتها الـ 67 على وقع إضراب أساتذتها ثلاثة أسابيع، واليوم تطفئ شمعتها الـ68 على وقع إضراب الأساتذة واعتصامهم في ساحة رياض الصلح.
أبرز المطالب
تعدّدت المطالب، تنوّعت الشعارات، والمحرّك الأساسي للإضراب واحد، هو دفاع أستاذ الجامعة اللبنانية عن كرامته وعن الموقع الاجتماعي الذي يُمثله. في هذا السياق، يوضح رئيس رابطة الأساتذة المتفرغين الدكتور يوسف ضاهر «لبّ القضية»، قائلاً: «مطالبنا باتت واضحة كالشمس والسياسيون على علم بها، وللتذكير، نطالب بإقرار مشروعَي الثلاث درجات وإضافة الخمس سنوات لاحتساب المعاش التقاعدي للأستاذ الذي لا تصل خدمته الى 40 عاماً، وذلك تحقيقاً لتوازن الرواتب وإنصافاً للأساتذة المتقاعدين».
ويتابع ضاهر في حديث لـ«الجمهورية» منذ «أن أُقرّت الدرجاتُ الثلاث للقضاة ونحن بانتظار إقرار درجاتنا على اعتبار أنها سلّة واحدة، والسلاسل متكاملة، مع الإشارة إلى أنّ القانون 46 أعطى السلسلة للقطاع العام باستثناء الأساتذة والقضاة، ولاحقاً منح القضاة ثلاث درجات على مقربة من الانتخابات النيابية، فيما بقي الأساتذة محرومين، وزادت الهوّة في الرواتب وغابت العدالة، وحيال تحركنا وإضرابنا وتخصيص يوم التضامن مع الجامعة اللبنانية العامَ المنصرم، وُعدنا أن يوضع مشروع القانون على جدول الأعمال، ومنذ 2018 حتى نيسان 2019، لم يناقَش مطلبُنا ضمن جدول أعمال مجلس النواب، علماً أنّ مطلبنا «ما بيكسر» الدولة، فنحن فقط ألفا أستاذ بين متفرِّغ وفي الملاك».
وسط تزاحم المطالب، لا يُسقط الضاهر من حساباته ملفات يصنّفها بـ«الآنيّة والملحّة»، بدءاً من رفع ملفي التفرغ والملاك وإدخال المتفرغين إلى الملاك، وصولاً إلى تعيين عمداء جدد، فيقول: «يتقاعد سنوياً نحو 600 أستاذ، فعوضاً من التعاقد مع اساتذة لا يتقاضون رواتبهم إلّا كل سنتين، لا بدّ من إقرار ملف تفرّغ الأساتذة المستوفين للشروط أكاديمياً وتعليمياً».
خطٌّ أحمر
وسط الأزمات التي تلاطم الأساتذة، لا يخفي ضاهر إرتفاع منسوب القلق في نفوسهم، فيقول: «استجدّت تصاريح عن تخفيض رواتب، وهذا مرفوض بالمطلق، يريدون حلّ الأزمة الاقتصادية من حساب الموظف؟»، معتبراً «أنّ حلّ الأزمة بتخفيض الرواتب أشبه بذرّ الرماد في العيون». ويضيف: «نرفض الاقتطاع من رواتبنا ومن حقوقنا المكتسَبة، كذلك نرفض خفض موازنتي الجامعة وصندوق التعاضد».
ما الحل؟ يجيب ضاهر، «الخيارات كثيرة أمام الدولة لتحسين وضعها المالي ولتغطية عجزها بعيداً من عرق جبين أساتذة «اللبنانية» وجيوبهم، خصوصاً وأننا في ظروف اقتصادية لا نُحسَد عليها كأيِّ فئة من فئات المجتمع، لذا نناشدها عوضاً عن المَسّ برواتبنا أن تحسّن جباية أموال التهرّب الضريبي، وأموال الهاتف الأرضي والخلوي، كذلك جباية أموال الكهرباء والمياه لتشمل كل المحافظات والمخيمات والمربعات». ويتابع بنبرة غاضبة، «كذلك نذكّرها باستعادة أموالها من المرفأ ومن الأملاك البحرية والنهرية والعقارية، ووضع حدٍّ للمخصصات والإعفاءات الضريبية والجمركية للجمعيات والأشخاص».
تصعيدٌ حدّ المقاطعة؟
رغم الإضراب الذي دعت إليه الرابطة، إلّا أنها لم تُشفِ غليل كثر من الأساتذة الذين وجدوا خيارها «ضعيفاً»، فيقول مصدر خاص لـ»الجمهورية»: «ما جدوى التحرّك ليوم واحد؟ العام الماضي أضربنا 3 أسابيع وما حصلنا إلّا على وعود، فكيف يمكن ليوم واحد أن يؤثر في دولتنا الصمّاء؟». ويتابع المصدر: «لا بدّ من إستخدام ورقة ضغط توصل مطلبنا أسرع كمقاطعة العام الدراسي أو عدم إجراء الامتحانات، إكتوينا من الانتظار».
صرخة مجموعة من الأساتذة المعترضين على قرار النقابة، نقلناها الى ضاهر، فقال: «أتفهّم ألم الأساتذة، ولكن في الرابطة التي تضمّ ممثلين عن الأساتذة كافة 167 مندوباً، ومن موقعي كرئيس، قلّة قليلة تطالب في الإضراب المفتوح أو باحتمالاتٍ أخرى، فذلك لن يؤدي إلى نتيجة إنما سيُضرّ الأساتذة أكثر ممّا سيفيدهم». ويتابع محاوِلاً إستيعابَ المعترضين على قرار الرابطة، قائلاً: «البلد في أزمة ووضعه الاقتصادي محرج، لن نمارس سياسة النعامة وفي الوقت عينه نرفض أن يكون الحلُّ على حساب الجامعة والموظفين. لذا سنرفع الصوت ولكن في الوقت الراهن لا نرى أنّ الإضراب المفتوح سيؤدي إلى نتيجة، ولكن سنبقى نطالب، وكل الاحتمالات واردة للوصول إلى ما يخدم الأستاذ ولا يسيء إلى مستقبل الطالب».