IMLebanon

القراءة اللبنانية «القروية» للإقليم

 

 

يبكر فريق الرئيس اللبناني ميشال عون في سعيه إلى صرف «الوقائع السياسية الجديدة» في المنطقة عبر خطوات نتيجتها إلحاق لبنان بمحور إقليمي، ومناصبة محور آخر العداء.

فرغبة هذا الفريق الجامحة في استعادة ما يسميه «حقوق المسيحيين» في السلطة حالياً ومستقبلاً، وتعظيم حجمه بالاستناد إلى فائض القوة عند حليفه «حزب الله»، يدفعانه نحو قراءات متعجلة للخريطة الإقليمية، من نوع ما قاله الرئيس عون أمام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عن أن النظام السوري سيطر على 85 في المئة من الأراضي السورية، كحجة لتبرير الدعوة إلى التواصل مع النظام لإعادة النازحين. واندفاع فريق عون نحو تسليف الحزب والقوى الحليفة له والنظام السوري، مواقف بهدف كسب داخلي، أقحمه في سقطات تخلط بين سيطرة القوات النظامية السورية على أراض كان تنظيم «داعش» الإرهابي احتلها، وبين كامل الأراضي السورية التي ما زال قرابة نصفها موزعاً بين «داعش» و «جبهة النصرة» (فتح الشام) وفصائل تابعة لـ «الجيش الحر» أو «قوات سورية الديموقراطية» المدعومة من الأميركيين.

من سقطات القراءة المتعجلة أن الجانب اللبناني حاول إقناع دولة كبرى مثل فرنسا، منخرطة في الصراع الدائر في المنطقة وتدرك قيادتها تفاصيل ما يدور فيها، بالتواصل مع بشار الأسد الذي توهم أن قول ماكرون أن رحيله لم يعد شرطاً للحل السياسي هو اعتراف باستمراره، فإذا به يقول علناً للرئيس عون أن «حماية مسيحيي الشرق لا تعني الدفاع عن بشار الأسد».

الحاجة الملحة إلى استثمار تقدم المحور الإيراني- السوري في سورية بقوة روسيا (التي يزورها الأسبوع المقبل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز)، في الداخل اللبناني، أفضت إلى قراءة «قروية» على الطريقة اللبنانية للقضايا الكبرى في المنطقة، أخذت تستعجل ضم لبنان إلى المحور الذي يعاكس مصلحة أكثرية اللبنانيين الرافضين لمناصبة الدول العربية العداء ولإدخالهم طرفاً في الصراع الدائر على امتداد الإقليم. قد يكون مفهوماً أن يستظل الرئيس اللبناني الإجماع اللبناني على ضرورة عودة النازحين السوريين إلى بلادهم للتخلص من عبئهم على المجتمع والاقتصاد والتركيبة الديموغرافية، إلا أن هذا الإلحاح يفتقد استعدادات النظام نفسه الذي يرمي من وراء حجة عودة النازحين إلى أكثر من تطبيع العلاقة معه، غير آبه باستعادتهم. ففي عقل حكام دمشق وضباط الاستخبارات المتحلقين حول الأسد معادلة لا يتخلون عنها، أورثوها له منذ ما قبل تسلمه السلطة عام 2000، وهي أنه كي تعزز سلطتك في سورية يجب أن تحتفظ بنفوذك في بيروت. وهؤلاء، الذين يعيشون مثل الأسد حالة الإنكار لتغير الأوضاع في سورية، لا يسمح لهم جموحهم إلى السلطة الذي سوغ المجازر والمآسي التي ارتكبوها والدمار الذي سببوه، بأن يدركوا أن المعادلات تغيرت، فيحلمون بهذا النفوذ. وقد يكون العكس صحيحاً. فعدم يقينهم بأن «الوقائع الجديدة» أدت فعلاً إلى تثبيت الأسد في الرئاسة، يحفزهم على إشاعة عودة نفوذهم اللبناني، كورقة تفاوض مع الغرب لعلها تفيد في تكريس رئاسة الأسد، وتعوض له غلبة النفوذ الروسي والإيراني، على نفوذه هو، في قلب سورية نفسها.

فضلا عن أن القراءة المتعجلة أضرت بصورة الرئيس عون وعلاقته بالمحور العربي (المتضررة أصلاً نتيجة اعتقاد بأنه ينفذ سياسة حزب الله)، وأربكت شريكه في التسوية السياسية التي أنتجت رئاسته للجمهورية، رئيس الحكومة سعد الحريري المتهم بتقديم كثير من التنازلات، ودفعت الأخير إلى المجاهرة عبر وزرائه برفض اجتماع رئيس «التيار الوطني الحر» مع وزير خارجية الأسد وليد المعلم، فإنها أسست لاشتباك سياسي قد يطيح جانباً من هذه التسوية: الحكومة الائتلافية التي تضم «حزب الله» الذي أغلب الظن يفضل بقاءها حتى إشعار آخر.

مع فائض القوة لدى الحزب حيال شركائه وخصومه المحليين فإنه مربك أيضاً، وليس طليق اليدين كما يسعى مريدوه إلى الترويج له من انتصاراته. ومع إصراره المستمر على التواصل مع الحكومة السورية، فإن حسابات ما يتبع فرط التسوية تفرض عليه التفكير ملياً، حتى لو كان بإمكانه تأمين أكثرية تواليه لتأليف حكومة من لون واحد. وتجربة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي لم تكن مشجعة له. والحزب مجبر على القراءة الأوسع من الميدان السوري- اللبناني، بالمنظار الإيراني. طهران منهمكة برصد ما سيؤول إليه الإصرار الأميركي- الإسرائيلي على إبعادها عن سورية، بالعلاقة مع الكرملين. وقلقة من تأهيل موسكو الدور المصري في سورية وفلسطين (المصالحة الفلسطينية)، على حسابها. والأهم أنها مستنفرة في مواجهة تداعيات استفتاء كردستان.

الخطب البلدية الحامية لا تحجب خريطة الصراع الإقليمي.