IMLebanon

«الثلاجة اللبنانية» والحراك «العوني»

ربط لبنان بمسار الملفات الإقليمية والدولية، أمر مريح للجميع، ما عدا اللبنانيين. نَفَس التسويات الكبرى طويل ومرهق. وضع النقاط على حروف التفاصيل الأخيرة، يستغرق وقتاً أطول من صياغة متن الاتفاق. هكذا يأخذ زعماء الطوائف الطائفيون وقتاً مستقطعاً طويلاً لعمل لا شيء. ويطالبون بعد «الجهد صفر» بفترة راحة من عناء عدم العمل. تنبلة مطلقة لا يتيحها سوى قواعد شعبية مسترخية غائبة عن الوعي، ولا يعنيها من حاضرها ومستقبلها إلا التجاوب مع التحريض البغيض.

«الثلاجة اللبنانية» برغم لهيب الصيف والجوار، جمَّدت أي محاولة للتغيير، ولو كان بإطار ضيق يحول دون أن تطمر النفايات الموطنين. الأنكى أن أي محاولة سياسية لتنظيم حالة اعتراضية شعبية، تتحول إلى حسابات عددية وهندسية ودروس في فنون التصوير لاحتساب أعداد المتظاهرين، أما سبب النزول إلى الشارع باعتباره حقاً أساسياً، فيصبح كالزبد، يذهب هباء.

تظاهرة «التيار العوني» الأسبوع الماضي للمطالبة بانتخابات نيابية تعيد تشكيل السلطة، كشفت أن جمهور «التيار» قادر على الحشد، برغم التهويل بالوضع الأمني وبـ «انتحاريين مندسّين». وبيّنت أيضاً نواة استجابة أكبر للمطالب الإصلاحية، تتدحرج ببطء ولكن بعزم، يزخمها تمادي الاستهتار بشؤون اللبنانيين المعيشية، وارتفاع دخان الفضائح القضائية المتكشفة من التحقيق مع الإرهابي أحمد الأسير.

تحجيم الحراك الشعبي إلى حد ربطه بمشروع الجنرال عون الرئاسي يصبح من قبيل التواطؤ لوأد التحرك.

هناك جدار محلي صلب ضد عبور الجنرال إلى بعبدا يضمّ مروحة واسعة من كل معارضيه وعدد كبير من مؤيديه. وإلى الجدار المحلي هناك جدران إقليمية يرفض عون سلفاً أن يكون لها كلمة في رئاسته.

سلم البلد الهش لا يحتمل إحباطاً مسيحياً كالذي تلا اتفاق الطائف، عندما أبعد النظام القائم وقتها أصحاب الشرعية التمثيلية، وولى على البلد رموزاً ميليشياوية لا وزن لها، ولا لون.

لا تزال تعددية لبنان، قاعدة بقائه دولة واحدة وموحدة ولو بنصف سيادة. ولا تزال نظرية أن «لبنان لولا المسيحيين ما قام ولولا المسلمين ما دام» قائمة. ولا يزال التفاهم الإسلامي – المسيحي ورقة المقاومة الأمضى ضد إسرائيل. وبرغم المآخذ الكثيرة على هذا النظام، فالشراكة بين «التيار» وباقي القوى التمثيلية لإعادة تشكيل النظام، بما يتيح عدالة اجتماعية أكبر وفساداً مؤسسياً أقل، تكفي لاستمرار لبنان بصيغته التعددية المنيعة التي نعرف.

الجنرال التزم شروط اللعبة في التركيبة اللبنانية التي من المستحيل أن تفسح مجالاً لأي إصلاح من خارجها، الأمر الذي أوقعه بتسويات مرة في أكثر من مناسبة، أكلت من شعبيته، لكنه احتفظ بهامش كبير بين قاعدة واسعة من اللبنانيين، تتمسك بالدولة والقانون، وترفض الميليشيات بلباسها المدني والعسكري.

الجنرال، ضابط المدفعية السابق، يعرف تحديد الأهداف خلف الخطوط ويرمي من وراء الجدران. تنصرف أنظار التقليد السياسي إلى مراكمة الحواجز أمام مشروعه الرئاسي وهو يمارس السياسة بعقلية المدفعجي فيصيب الأهداف البعيدة، مستبدلاً قذيفة المدفع بحشود لبنانيين ستتزايد مع تراجع الدولة عن كونها دولة، ومع انحلال النظام الذي بات منهبة مفتوحة تترك النفايات في الشارع لتحصل على السعر الأعلى لرفعها. خريطة طريق مختلفة، مطلبية ورئاسية، وستكون صاخبة. خريف لبنان سيكون أكثر حرارة من صيفه. الشارع فرصة «التيار» الأخيرة، هل يُحسِن تعبئته؟