غادر الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بيروت بعد زيارة قصيرة زار خلالها العديد من المواقع السيادية من رئاسات ووزارات، وكانت الغاية من هذه الزيارة هي موضوع اللجوء السوري إلى لبنان، وكُتبتْ له بعض العبارات اللطيفة تجاه المواطنين اللبنانيين اللاجئين في وطنهم، وهكذا كانت أيضاً زيارة ممثلة السياسة الخارجية الأوروبية موغريني، والتي زارت مواقع مخيمات اللاجئين السوريين وكذلك فعلت الممثلة الأميركية أنجلينا جولي قبل أيام.
ذكّرتني هذه الزيارات بالسنوات الطويلة التي كانت فيها أهمية لبنان مرتبطة باللجوء الفلسطيني، والجدير بالذكر أنّ لبنان بين عامي 84 و89 أهمل سياسياً من قبل المجتمع الدولي، وذلك بعد مغادرة منظمة التحرير بيروت على أثر الاجتياح الاسرائيلي للبنان عام 82 وبعد سقوط اتفاق 17 أيار بين إسرائيل ولبنان، وهذا ما يجعلنا نعتقد الآن أنّ لبنان فقد وظيفته التي استعادها مع اتفاق الطائف عام 89 والتي كان يحلم بها جميع اللبنانيين من خلال بناء دولة حديثة تتمتع بالسيادة والاستقلال، أمّا وقد عاد لبنان مستودعاً لأزمات المنطقة وهذا ما قد يعرّضه للانفجار كما حصل مرات ومرات.
يصبح المواطن لاجئ في وطنه عندما تتعاظم الأنا لدى النخبة الحاكمة وينفصلون عن الواقع ويتصرفون كمحتلين أو غزاة، وهذا ما هو حاصل الآن، إذ يتصرف البعض كمحتل أو منتصر من خلال الفراغ والفزع الذي نعيشه كمواطنين على أمننا وصحتنا ومستقبل أولادنا، وعندما تعود أزمات الجوار هي ميزة لبنان وسبب وجوده، فذلك قد يشرّع الأبواب لاحتمالات كثيرة من تفجيرات أمنية وعسكرية، لأنّ الأسباب الموجبة لمثل هذه الاحتمالات أصبحت متوفرة وبوضوح تام.
يستضيف لبنان الآن أكبر ثلاث أزمات في المنطقة، من القضية الفلسطينية وامتداداتها اللبنانية ووجودها المضطرب وآخرها أزمة الأونروا، وبالإضافة إلى تداعيات نهر البارد الذي خصّه بان كي مون بزيارة خاصة، وكذلك الأزمة العراقية وتشعباتها الأمنية والمالية العميقة في البنية اللبنانية بأوجه متعددة، وآخرها الأزمة السورية وانقسام اللبنانيين حولها واستقبال لبنان لأكبر عدد من اللاجئين السوريين، من دون خطة أو استراتيجية أو توافق على إدارة هذا الملف الخطير أمنياً واقتصادياً واجتماعياً.
أمام كل هذه التداعيات المقلقة عاد في الأيام الأخيرة الحديث عن الاحتمالات العسكرية الإسرائيلية والتحذيرات والتحديات المتجددة، بعد أن تراجعت نوعاً ما مع تطورات النزاع السوري ثم عادت في الأيام الماضية لتحتل مكانة متقدمة في الخُطب والتصريحات والأحاديث والمناورات والتحليلات والتهديدات، وهذا أيضاً يجب أن يؤخذ بالحسبان، لأنّ الدروس التي تعلمناها خلال العقود الطويلة تقول بأنّ إسرائيل وعدوانها هو احتمال دائم ويجب أن نتوخاه.
بعد زيارة بان كي مون، وزيارة موغريني، والتحركات المسرحية لأركان الحكومة اللبنانية، وتعاظم الأزمات الداخلية في لبنان، من النفايات إلى الأمن، والصحة، والاقتصاد، والأوهام السياسية والإعلامية، والشغور الطويل، لم يبق في الأسابيع الماضية في لبنان من إيجابيات سوى الاحتفالات المكثفة بيوم المرأة وعيد الأم، وقد تذكر كل السياسيين المرأة والأم في عيدهما، مما يدفعني للخوف عليهن من سياسيي لبنان، ويبقى الأمل الكبير هو ما قد يحمله أسبوع آلام السيد المسيح، عليه السلام، والأمل بقيامة لبنان من جديد وذلك هو الرجاء الأخير للاجئين اللبنانيين في لبنان.