كان رئيس جمهورية أحلام اللبنانيين.
وفي ذكرى غيابه، أصبحت الجمهورية خاوية.
جمهورية بلا رئيس.
وبلا أحلام.
ذلك ان نسيب لحود، اختصر، فور اطلالته السياسية، أحلام اللبنانيين، في جمهورية ترتسم على رقعتها معظم أحلامهم والتطلعات.
هل تكون الذكرى الثالثة، على رحيله، مجرد حلم يراود اللبنانيين، في الليل والنهار.
ويفتقدون الجمهورية والبلاد تضيق ذرعاً بأزمة الشغور.
ويحلمون برئيس يقود البلاد الى جمهورية أحلامهم، كما كان نسيب لحود.
ولا يريدون أي رئيس.
ويتمنّون للبنان رئيساً برتبة قائد.
لا مجرد رئيس يجمع أصوات النواب.
نسيب لحود تعلق اللبنانيون به، بمجرد ان قرأوا تصريحاته، وأصغوا الى مناقشاته.
أحبّوه. احترموه. وثقوا به.
أحبّوه مهندساً ورجل أعمال.
احترموه، لنزاهته وصدقه في تنفيذ أي التزام يرسو عليه.
وثقوا به موظفاً يحترم واجباته، سفيراً للبنان في الولايات المتحدة.
وأعجبوا به سماعاً وشهرة، ساعة عزف عن الأعمال الخاصة.
وحرّر نفسه من الالتزامات الخاصة، واحترف العمل العام لخدمة الناس والمواطنين.
كان مخايل نعيمة يقول إن الخدمة العامة، محراب يمور في الصدق، وتبرز فيه النزاهة.
والحرفة هي معيار الرجولة، كما هي في رأي جبران خليل جبران.
ولعل ناسك الشخروب ونابغة لبنان يريدان تجسيد الحقيقة، لا ايراد نظريات.
عندما تألفت الحكومة الثانية في العهد السابق، كان رئيس الجمهورية قد أنعم بالحقائب على الوزراء، ولم تبق حقيبة وازنة يعرضها على نسيب لحود.
استدعاه، وسأله بخفر عن الحقيبة التي يتمناها.
وردّ نائب المتن الشمالي: أريد ما لا يريده الآخرون.
وأردف: أريد أن أكون وزير دولة، لأنها تتيح لي أن أخدم لبنان سياسياً.
إلاّ أن المرض تلقّفه، فرحل قبل أن يعطي لبنان ما عزم عليه وما اختزنه عقله وفكره.
الرجل، مارس السياسة، كما مارسها والده الذي آمن بأن الحقيبة الوزارية، تجسّد الايمان بلبنان.
وقد ترشح نسيب لحود لرئاسة الجمهورية يقيناً منه، كما قال مطران بيروت بولس مطر بأنه قادر على تطوير البلاد، وقيادتها نحو شاطئ العقلانية والنجاح.
بكاه لبنان لدى رحيله، لأنه كان صادقاً مع كل انسان، كما عبّر عن رأيه فيه الوزير غسان سلامه.
وهو كما قال وزير الثقافة السابق، كان عقلاً تجسّد رجلاً، وحاسماً بلا تهوّر وعازماً من دون تردّد.
ورثاه نائبه في رئاسة حركة التجدد الديمقراطي كميل زياده، فوصفه بأنه صاحب مدرسة هي مدرسة المناقب والمبادئ والآداب السياسية.
برحيل نسيب لحود، خسر لبنان رجلاً اتّصف بالصدق والرصانة والاتزان وبالحسّ العالي كما قال فيه الرئيس حسين الحسيني.
وهو قامة وطنية نادرة في رأي الأنباء صحيفة الأستاذ وليد جنبلاط.
وعندما غاب قالت فيه، ان رئيس أحلام الكثير من اللبنانيين رحل، بعدما صارع المرض أشهراً طويلة.