واقع المواجهة الكبيرة في الإقليم يفرض تثبيت عناصر الإستقرار
التجديد للحاكم سلامة بداية تثبيت الإستقرار النقدي بالتلازم مع احتواء ما نتج لبنانياً من تداعيات لقمم الرياض الثلاث
فرضت، الى حد ما، التطورات على مستوى الإقليم، إيقاعها لبنانياً. وما كان صعب المنال، قبل قمم الرياض الثلاث وزيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الى اسرائيل، صار أكثر قبولاً على مستوى أهل الحكم. فأتى التجديد ٦ سنوات لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة في سياق السعي الى تصليب الوضع الداخلي وتحصينه، تحسباً لأي مواجهة سياسية او عسكرية قد يكون لبنان أحد ساحاتها الأكثر إشتداداً وتوتيراً وقساوةً، نتيجة القرار الإقليمي – الدولي بأن تضرب المرحلة الثانية في الحرب على الإرهاب، إيران في كل ساحات قتالها وتفوقها، وما «حزب الله» سوى أحد أبرز الأذرع الإيرانية في المنطقة، وأكثرها تنظيماً وفعالية قتالية.
ثمة ترقّب لبناني لما بات يسمّى «عاصفة ترامب» في إشارة الى الرئيس الأميركي دونالد ترامب. هذا الترقّب نتج من مجموعة من المؤشرات تتسقطها تباعاً الديبلوماسية اللبنانية، لعلّ أبرزها وأكثرها وضوحا التطورات في البحرين.
في 21 أيار، على هامش القمة العربية – الأميركية في الرياض، قال ترامب لملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة: «العلاقات بين بلدينا رائعة وإن كان قد شابها بعض التوتر.. لكن لن يكون هناك توتر مع هذه الإدارة».
وفي اليوم ذاته، أعلنت محكمة بحرينية حكماً بالسجن عاماً كاملاً مع وقف التنفيذ على الزعيم الروحي الشيعي الشيخ عيسى قاسم الذي وصفت الحكومة جهوده لجمع التبرعات (الخُمس) بأنها غسل الأموال. وسبق للسلطات البحرينية أن سحبت منه الجنسية في حزيران ٢٠١٦، بتهمة الترويج للعنف، وهو ظلّ منذ ذلك الحين في قريته محاطاً بأنصاره. وصباح 23 أيار، اقتحمت قوات الأمن المنطقة، ثم اندلعت اشتباكات. وذكرت السلطات أن الهدف من العملية هو اعتقال الهاربين الذين إكتُشف بعضهم مختبئاً في منزل الشيخ عيسى. وتبيّن وفق وزارة الداخلية البحرينية أن بعض الذين اعتقلوا في هذه الحملة كانوا من بين عشرة من المدانين بالإرهاب الذين فروا من السجن في كانون الثاني ٢٠١٧.
عُدَّ كلام الرئيس الأميركي لملك البحرين مؤشراً باراً للمقاربة الأميركية الجديدة تجاه إيران في ساحات نفوذها، بدءاً من البحرين. وبالتأكيد لن يتأخر لبنان عن إلتقاط مؤشرات هذه المقاربة الاميركية التي باتت تركّز حصراً على إيران بإعتبارها التحدي الذي سيلي حكماً وحتماً الفراغ من الحرب على ما بات يسميه الرئيس الأميركي الإرهاب الإسلامي Islamist Terrorism، بدل الإرهاب المسلم Islamic Terrorism ، العبارة التي سبق لترامب أن إستخدمها بكثافة لافتة في أثناء حملته الإنتخابية، ومن ثم في بدايات عهده. وكان يهاجم بشدة منافسه الرئيس السابق باراك أوباما الذي كان يدعو الى عدم ربط الإرهاب بالدين.
ولا ريب أن «حزب الله» الأكثر إنخراطاً على مستوى إيران، والأكثر تأثيراً وفاعلية متى أراد النظام توجيه رسائله، لن يفوّت فرصة الأحداث الجديدة في البحرين كي يتحرّك – سياسياً على الأقل. ويُنتظر أن تكون، اليوم، إطلالة الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله، شديدة الوطأة، تعكس واقع المواجهة الكبيرة في الإقليم بين المحورَيْن التقليديين، هذه المواجهة التي كرّستها قمم الرياض الثلاث، والتي أرادتها الإدارة الاميركية، من جهة تكريساً لعودة الوئام الى العلاقة مع دول الخليج بعد الخلاف مع إدارة أوباما، ومن جهة أخرى تكريسا للإفتراق مع إيران.
ومن هذه الزاوية تحديداً، تجب قراءة العودة اللبنانية الى بعض اليقين والكثير من إعادة البحث والتدقيق، وبدايتها تثبيت الإستقرار النقدي من خلال التجديد لحاكم مصرف لبنان بعد أشهر من التجاذب وربما التردد في هذه المسألة، جنباً الى جنب مع رغبة جامعة على مستوى الحكم لإحتواء ما نتج لبنانياً من جراء قمم الرياض، وبيانها الختامي، وإرادة جامعة أيضا لإتخاذ ما يجب من إجراءات إحترازية على مستوى إجتماع المجلس الأعلى للدفاع غدا الجمعة والذي سيخصص الجزء الغالب منه لوضع مقاربة إستراتيجية سياسية – وقائية – عسكرية حيال التطورات الإقليمية المتوقّعة.
والعودة الى اليقين تحديداً، قد تكون جسر العبور الى تثبيت الإستقرار السياسي الذي يتحقق حصراً بالخروج من الدوامة الإنتخابية الراهنة، ووضع قانون جديد للإنتخاب يُجنّب لبنان الخضات السياسية المنتظرة جراء ما ستكون عليه المواجهة السياسية على خلفية تعثر إقرار هذا القانون.