نشهد اليوم، للأسف، حجبَ وخطف وتدمير الحد الأدنى من الحقوق الإنسانية للشعب اللبناني، والحقوق البديهية التي تتمتّع بها شعوب العالم، والتي تنهار يوماً بعد يوم.
شهدنا ولا نزال نعيش خطف الحريات الديموقراطية، من فراغ دستوري إلى آخر، وشلّ مؤسسات الدولة ولا سيما السلطتين التشريعية والتنفيذية، وصولاً إلى الفراغ في السلطة العليا منذ سنوات، حيث إن بلدنا يُدار من دون إدارة ولا قرارات ولا حوكمة ولا محاسبة. كل هذه التجارب المرّة من الفراغات المستدامة كان دائماً حلها سياسياً واتفاقات وراء الستارة، ومحاصصة وتوزيع أدوار ومقاعد، وليس لمرة واحدة تقنياً أو إنمائياً. ولسوء الحظ عندما كان يظهر الدخان الأبيض او بالأحرى الأسود من وراء الفساد والاتفاقات المشبوهة، كان ينتظر الشعب فيُصفق ويُهلّل لهذه الإنجارات الوهمية من بعد هذه الفراغات المدمّرة.
علينا ألّا ننسى أو نتناسى أنه في العام 2019 إحترقت الغابات والمنازل المجاورة في العديد من المناطق اللبنانية، وعندما ذهب الإطفائيون لإخماد الحريق، إكتشفوا أنّ خراطيم الإطفاء غير صالحة، لأنها لم تحصل على أي صيانة دورية لهذه المعدات، أو بالأحرى أن ميزانية الصيانة ذهبت هدراً وفساداً. ولولا اليد الإلهية التي أمطرت السماء بغزارة، والمساعدات من البلدان المجاورة بالطائرات المروحية، لما توقفت الحرائق، وقد احترق لبنان الأخضر. وبعد هذا الإنجاز العظيم، إفتخر السياسيون به، وكانوا ينتظرون التصفيق والتهنئة.
علينا أن لا ننسى أيضاً كيف استيقظنا يوماً بين النفايات، وعشنا سنة ونصف السنة بين هذه الجراثيم التي كادت تأكلنا وتضر بصحتنا وأولادنا، ومن ثم بعصا سحرية أي بمحاصصة واتفاق مشبوه أُزيلت النفايات بعد 18 شهراً من الذل والأوساخ المزمنة. وهنا أيضاً تنافس وتبارى السياسون حيال هذا الإنجاز العظيم.
أما اليوم لقد وصل المواطنون إلى أن يتباروا في ما بينهم حيال تزوّدهم بمادة البنزين، أو بتعبئة مخزون سياراتهم، في الوقت الذي يمضونه في صفوف الذُلّ لهذه الحقوق البديهية والإنسانية، وإذا ما حصلوا على بعض من الوقود، يكون نهارهم مشرقاً لأنهم باتوا يستطيعون الوصول إلى أماكن عملهم، إذا بقي هناك من عمل. وهنا أيضاً ينتظر المسؤولون التصفيق والتهنئة، في حال خفّفوا الطوابير من أمام المحطات، من ساعتي ذلّ إلى ساعة واحدة مثلاً.
من ناحية أخرى، بعد أن سُرقت وخُطفت وهُدرت أموال وودائع اللبنانيين، أصبح الشعب متفائلاً عندما كان يُسمح له بسحب بعض الدولارات، في اواخر سنة 2019 فانهارت هذه السقوف شهراً بعد شهر، حتى تبخّرت العملات الاجنبية، وتحول الدولار إلى منصة الـ 3900 الوهمية، وتحوّلت السحوبات الضئيلة إلى «خرجية» شهرية، فيما كان يتوسع سعر الدولار في السوق السوداء من 4 آلاف ليرة و5 آلاف، إلى 9 الآف و10 الآف، و12 الفاً، و13 الفاً، وأخيراً 15 الف ليرة، حتى وصلت الخسارة إلى نحو 75% وحتى 80%، من جنى عمر الناس وعرق جبينهم، والتي جنوها طوال حياتهم في لبنان والخارج.
وحتى عملية النهب والخطف هذه توقفت من قبل الدولة لمدة 24 ساعة، ومن ثم كالعادة جرّاء اتفاق سياسي وأعمال «دونكيشوتية» أُعيد العمل بالتعميم 151 وأصبح اللبنانيون يحمدون الله لسحب أموالهم من جديد عبر المنصة بسعر 3900 ليرة، حين أصبح السعر الحقيقي للدولار 15 ألف ليرة، وبات ينتظر المسؤولون أن يشكرونهم ويهنئونهم على هذا الإنجاز.
علينا أن نسأل أنفسنا ما هي المفاجأة المختبئة الآتية، من هذا المسلسل السوداوي من الخطف والترهيب، وحجب أقل الحقوق الإنسانية البديهية التي تتوافر لأي شعب؟
بعد أن خُطفت كل حقوق اللبنانيين بدءاً من حقوقهم الدستورية والسياسية، مروراً بحقوقهم الإقتصادية والمالية، والنقدية، وصولاً إلى حقوقهم الاجتماعية والانسانية، بات يُعاد لهم جزء ضئيل جداً من هذه الحقوق بـ «القطّارة» بعد مرور زمن طويل، والبعض يفرح ويشكر ويهنىء.
إن خطف هذه الحقوق هي إهانة للشعب اللبناني ولذكائه، ونفخر بأنه من أذكى الشعوب في العالم الذي بنى أوطاناً وقارات، في حين أن بلده الأم ينهار ويُدمر يوماً بعد يوم.