IMLebanon

“الشطارة اللبنانية” حين لا ينفع “التشاطر”

 

“الشطارة اللبنانية” باتت أقرب إلى التشاطر المزعج والممل، فالأداء السياسي وسجالاته في البلد، تعكس محاولة التعمية على الكارثة التي تستحكم بالمال والاقتصاد والأمن وصولاً إلى الحرب التي لما يزل شبحها يحوم فوق لبنان، بانتظار ما ستؤول إليه الانتخابات الإسرائيلية غداً.

 

الشطارة اللبنانية هي في كل ما أحاط بقضية العميل عامر الفاخوري، عودته إلى لبنان، القاء القبض عليه، محاولة إخراجه بطريقة مريبة من مطار بيروت، لكن الأسوأ من كل ذلك التعمية على التغطية السياسية التي شجعت الفاخوري ومن وراءه لعودته مطمئناً الى بيروت، وبعد أن جرى توفير الطريق الآمن له، فلو كان لدى الفاخوري شك بأن “حزب الله” وعلى رأسه أمينه العام السيد حسن نصرالله (الشاطر الشاطر بلا منازع)، غير موافق على عودته، لما فكر بالعودة. ولو لم يكن أمامه، نماذج مشابهة له لمن سبقوه في الدخول إلى لبنان، ويعيشون من دون أي ملاحقة أو ازعاج أمني، لما قرر العودة.

 

الشطارة اللبنانية على الطريقة “الباسيلية”، وهي سليلة “العونية”، وهي مستمدة من قصة “الشاطر حسن” الذي يتماهى معه الوزير “المدلل” جبران باسيل، ويسعى إلى أن يتماثل معه بل ينافسه ويتفوق عليه في الحظ و”الحكمة” والنهايات السعيدة.

 

والشاطر المتشاطر باسيل يحاول أن يبدأ حيث انتهى الشاطر حسن، فيحاول “تغطية السموات بالقبوات” ويتبجح بقوله لجمهوره ما مفاده: ها أنا أعيد المسيحيين المبعدين وهذه من نتائج التسليم لسياسة “حزب الله” وتحالفنا معه. ويقول للأميركيين في المقابل، ها أنا أدخل في علاقتي مع “حزب الله” حيث لا يجرؤ الآخرون، وليس غيري من يستطيع أن يلين من موقف “حزب الله” تجاه قضايا تتصل بملف العلاقات اللبنانية-الاسرائيلية. ومع عودة الفاخوري والقبض عليه، كان لنشر صورة للأخير مع قائد الجيش، محاولة للنيل من صورة جامعة لبنانياً، بات يمثلها قائد الجيش إلى حدّ كبير، وهي الصورة المزعجة للكثيرين الذين يريدون للجيش أن يكون محل تشكيك، لتحجيم دوره وتطويعه وتعطيله، وهي محاولات مرشحة لأن تتكاثر كلما بدا أن الجيش قادر على القيام بمسؤولية حماية الوطن والدولة.

 

الشطارة اللبنانية تكمن في الهروب من المشكلة الحقيقية، ومحاولة افتعال مشكلات ثانوية، وإعادة استثارة الغرائز وإظهار اللبنانيين على أنهم غارقون في استقطاباتهم المذهبية والطائفية، أكثر من اهتمامهم بنهب الدولة، والفساد، واستباحة المال العام، بل حتى في سبل مواجهة العقوبات الأميركية، التي تكشف يوماً بعد يوم عن غياب أي قدرة أو جهد فعلي للدولة اللبنانية على لجمها أو الحدّ من تداعياتها.

 

الشطارة اللبنانية، تكمن في محاولة طمس الأنين والشكوى من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، بإظهار وتشجيع الانقسام الأهلي الذي يحظى برعاية واهتمام الجميع في السلطة، فيما الأسئلة الوطنية المتصلة بالمخاطر الجدية على الجميع، فيجري التكاتف بين جميع أقطاب السلطة لطمسها ووأدها.

 

الشطارة اللبنانية تكمن في هذا الاعتقاد المرضي، بأن الأمور على حالها ولن يتغير شيء، فيما لبنان دخل في مرحلة غير مسبوقة في تاريخه، لجهة هشاشة الوضع المالي والاقتصادي، ولجهة تراجع مريع للموارد المالية من الخارج، والأهم لفقدانه الحواضن العربية والدولية التي تحصنه من الانهيار والتداعي. الكلام الخطر الذي يجري تداوله بين دبلوماسيين معنيين بوضع لبنان ومتابعته، هو أن لبنان أمام واقع لا يحتاج إلى شرح وتفصيل، وهو سيواجه مصيره من دون أن يجد من يعمل على حمايته دولياً ولا عربياً.

 

الشطارة اللبنانية، ستكتشف أن العقوبات الأميركية ليست تهويلاً، ولا ابتزازاً له، بل مصالح أميركية بحتة، سيتم تنفيذها وتطبيقها، ووزارة الخزانة الأميركية مستمرة بإجراءاتها ضد من تعتبرهم متعاونين مع “حزب الله” أو من صلبه.

 

الخلاصة أنّ لبنان أمام استحقاقات “وجودية” لم تعد تنفع معها الشطارة ولا التشاطر الذي يعتاش من فوضى غير خلاقة إن لم تكن قاتلة.