في قراءة للمشهد اللبناني الراهن نكتشف أمرين لا ثالث لهما: إما إننا مواطنون نعاني من انفصام في الشخصية، أو إننا شعب يتكاذب ابناؤه بعضهم على بعض في كل الاوقات، والنتيجة واحدة اننا غير متفقين في كل أمر، وثمة حاجة فعلية الى رباط عيش حقيقي وميثاق اجتماعي جديد ينتج من حوار معمق يسبق كل محاولة لتعديل دستوري أو طرح لمؤتمر تأسيسي. والاهم ان ثمة حاجة الى من يبادر الى هذا الحوار الوطني، بعيداً من الحوار العقيم في مواصفات الرئيس ولون عينيه وطوله وعرضه، طالما ان اي تسوية ممكنة ستطيح بكل المواصفات المكتوبة على الورق، تماماً كما معظم النقاط التي اتفق عليها في حوارات سابقة.
الوحدة الوطنية هشة، وقابلة للتفجير في كل لحظة، فيها حروب صغيرة متنقلة، وفيها استقواء بالسلاح، وفيها سلب حقوق، وفيها مافيات اقوى من الدولة، وفيها تقدم لمصلحة الجماعات والاحزاب والمذاهب على حساب المصلحة الوطنية، وفيها الكانتونات القائمة بطريقة عملانية غير معلنة. التحالفات القائمة على ضفتي 8 و14 آذار صمدت عشر سنوات، لكنها أدت قسطها للعلى. فالتحالف الشيعي هو من يمثل 8 آذار، و”تيار المستقبل” يمثل الفريق الآخر. وهما يختزلان بحوارهما الثنائي الفريقين. وقد برزت هذه الثنائية الكانتونية بالتفاوض على النفايات المذهبية واختصار الجنوب بالشيعة وعكار بالسنة، ولم يجد الطرفان إمكان حل للنفايات المسيحية أو الدرزية.
المسيحيون، الذين يجاهرون بأنهم رواد حقوق الانسان وعدم التمييز في الإرث والتعامل ما بين الرجل والمرأة، يحجبون عن الأم اللبنانية حقها في إعطاء الجنسية لأولادها، خوفاً من اختلال إضافي في التوازنات الطائفية، والنائب سمير الجسر، المعروف باعتداله وبوطنيته، يلوح لهم بهذا المطلب الذي يخفي نيات مذهبية، اذ انه يمنح الجنسية لنحو 300 ألف سني إضافي من جنسيات مختلفة، وهو أمر يجمع المسيحيون والشيعة على رفضه.
في قانون الانتخاب، اجماع على ضرورة تعديل قانون الستين، الذي اعتبره العماد ميشال عون انتصاراً بعد اتفاق الدوحة العام 2008، واذ به يتحول أداة لسلب المسيحيين حقوقهم. و”تيار المستقبل”، الذي يطرح التقدم في حق المرأة، يتراجع عن النسبية كخيار متقدم أيضاً، خوفاً من نيل “حزب الله” نحو ثلث حصته من النواب، فيصير ما للحزب له وحده، وما للآخرين له ولهم. ومثله النائب وليد جنبلاط، الذي وافق على النسبية، ربما مرغماً، لكنه تراجع لأن النسبية ستجعله يخسر نواباً مسيحيين وسنة في عرينه الشوفي، وهو يشجع المسيحيين على عودة ما بعد التهجير، لكن من دون إعطائهم الحق بحرية التعبير واختيار ممثليهم.
المهم، حتى الساعة، إننا متفقون على عدم تفجير الاستقرار الأمني لأنه مضر بالجميع، وقد اختبر اللبنانيون الحرب. وفي هذا الاتفاق الضمني لا تكاذب، بل خوف مشترك يجمع المختلفين.