في واحدة من أبشع صور العنصريّة والتميّيز الطائفي بين النساء اللبنانيّات وأبنائهنّ، قدّم وزير الخارجيّة اللبناني جبران باسيل «مبادرة للمرأة اللبنانية»، والمؤسف أكثر أنّه اختار تحديداً «عيد الأمّ» ليطلق المبادرة العنصريّة، وكأنّه يقول للبنانيّات «ابن المسيحيّة بسمنة وابن المسلمة بزيت»، وإن مجرّد التفكير بطرح مبادرة تنصف الأمهات اللبنانيّات باستثناءات هو خطيئة كبرى بحقّ المرأة اللبنانيّة وانتقاص من حقوقها فيما هي تقوم بكلّ التزاماتها تجاه الدولة اللبنانيّة!
من دون أي مواربة ولا تجميل للواقع اللبناني الطائفي، والعقليّة الطائفيّة التي تطغى على الحقوق المواطنيّة،ثمّة مشكلة حقيقيّة في فهم مصطلح «وقّفنا العدّ» الذي قيل أساساً لتطمين المسيحيّين مع اتفاق الطائف، خصوصاً وأنّ واحداً من أسباب اندلاع الحرب الأهليّة في لبنان هو تحكّم «الأقليّة» بالـ»أكثريّة» ونظريّة 6 و6 مكرّر، بحجّة الخوف، «وقّفنا العدّ» كانت وعداً من المسلمين بالمناصفة مع المسيحيين وإن كانوا هم الأكثريّة، ولكن للأسف عقليّة «استمرار العدّ» ما زالت تتحكّم بالعقليّة المسيحيّة، وهذا أمر سيتسبّب بشروخٍ كبرى مجدداً بين اللبنانيّين!
ثمّة مشكلة حقيقيّة عند شركائنا المسيحيين، فهم مصرّون على عدّ أنفسهم والتباكي على تراجع حجم وجودهم في الكيان اللبناني، ومصرّون أيضاً على عدّ تزايد أعداد المسلمين والنظر إلى ازياد أعدادهم بعدوانيّة، ليس فيها من المواطنيّة شيء، الخلل الحقيقي يكمن في إصرارهم على العدّ و»على الميْلتيْن»… وهذا الحال اللبناني الطائفي مؤسف واستمراره والإصرار عليه سيقود إلى «تشغيل العدّ» وما سيستتبعه من محن!
مبادرة وزير الخارجية مخالفة للدستور اللبناني وللفقرة ج من مقدّمة الدستور التي تصف لبنان بأنّه دولة تقوم (…) على العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دون تمايز أو تفضيل.. ومخالف أيضاً للمادة 7 من مقدّمة الدستور التي تنصّ على أنّ «كل اللبنانيين سواء لدى القانون وهم يتمعتون بالسواء بالحقوق المدنية والسياسية ويتحملون الفرائض والواجبات العامة دونما فرق بينهم»، المبادرة بحدّ ذاتها قائمة على التمييز والتفريق والعنصريّة وعلى الانتقاص من حقوق كلّ إمرأة وأم لبنانيّة.. والمبادرة مخالفة أيضاً لكافة المواثيق الدوليّة، بالأساس الحديث عن «إنسانيّة» منح الأم اللبنانية جنسيتها لأبنائها، هذا حقّ مكتسب لأي مواطنة في كل بلاد العالم حتى الدول المتخلّفة!
هل علينا أن نسأل وزير الخارجيّة، بأي حقّ يقدّم مبادرة تسمح لأخته المتزوجة من أجنبي بأن يحصل أولادها على جنسيّة أمّهم ويحرم أخواتنا المتزوجات من أردني أو سوري أو فاسطيني أو دول الجوار الأخرى من أن يحمل أبنائهم جنسيّة أمهاتهم؟! وهل علينا أن نسأل وزير الخارجيّة اللبناني كيف يقبل على نفسه أنّ يخاطب الأمهات اللبنانيّات أنّه و»بموجب واجباتي وصلاحياتي الدستورية أتقدم بهذه المبادرة التي تطاول مبدأ المساواة بين كل اللبنانيين نساء ورجالًا» يتقدّم منهنّ بمبادرة مشوهّة بكل المقاييس لحقوقهن بادّعاءات باطلة، عمرها من عمر قانون يعود إلى العام 1925 وبقوّة الانتداب الفرنسي يمنع عنهن هذا الحقّ، من المؤسف أنّ فرنسا منذ قيام جمهوريتها بعد الحرب العالمية الثانية تمنح زوج الفرنسية جنسية زوجته، وكذلك أبنائها من دون السؤال عن دينه وجنسيته الأم ومن دون عنصرية التمييز بين دولة ودولة!