ما هو تأثير تعزيز روسيا وجودها العسكري في سوريا، وتاليا إعادة تعويم الرئيس بشار الاسد، لمرحلة انتقالية على الاقل؟ وهل يمكن أن يساهم ذلك في تعديل موازين القوى لبنانياً، والتي بقيت حتى الآن متوازنة بعض الشيء وفق ما ظهر من عجز لدى الفريقين الرئيسيين عن تأمين وصول مرشح معين لرئاسة الجمهورية، فيرجح كفة فريق سياسي على آخر بحيث يترجم في انتخابات رئاسية لا تذهب في اتجاه رئيس توافقي؟
مقلق الوضع في لبنان تبعاً لتطورات الحرب السورية. اذ انه سيكون للتحوّل في الحرب السورية تداعيات كبيرة على جاره الصغير، يتكهن بها كثر على نحو استباقي في اطار السيناريوات المختلفة، كما هي الحال منذ انطلاق الحرب. لكن هذه الاسئلة المحددة يثيرها بعض السياسيين من باب الانعكاسات المباشرة التي يمكن ان يتم السعي الى تسييلها او ترجمتها في المدى القريب. أضف الى ذلك ان المناخ قد يكون مناسباً بحيث يصار الى استثماره وتوظيفه سريعاً. وتساعد في الأمر المتغيرات الكبيرة والجذرية التي طرأت على مواقف الدول الاوروبية في شكل خاص، الى درجة التسليم او القبول ببشار الاسد في المرحلة الانتقالية حتى الآن. فهذه المواقف، معطوفة على التخلي الاميركي أصلاً عن الانخراط في الموضوع السوري، والذي لا يوحي بأنه ستكون هناك حماسة لدى الادارة الاميركية لتغيير موقفها منه بناء على مسار اعتمدته خلال السنوات الاربع من عمر الحرب السورية يترك انطباعات كبيرة يخشاها هؤلاء السياسيون، مؤداها ان الحل للحرب السورية، والذي سيسري في المرحلة المقبلة، قد يكون الحل الروسي الذي سارعت الدول الاوروبية الى اعطاء اشارات عن استعداد للانضواء تحت سقفه. فإذا كان الغرب لم يعد يأبه لبقاء بشار الاسد على رغم ما ارتكبه ضد شعبه في سوريا، رغبة منه في وقف تداعيات الحرب السورية المتمثلة في تصاعد التطرف وازدياد عدد اللاجئين، فإن ثمة خشية ان ينسحب التسليم الغربي، وتالياً العربي، بالواقع الجديد على لبنان أيضاً. ويسود انطباع ان الخارج تعب من لبنان ولا يهمه سوى استقراره، بمعزل عن حسابات الربح والخسارة المترتبة على حسابات اقليمية وداخلية، خصوصاً أن ارتياحاً كبيراً يلمسه كثر لدى الدول الاوروبية ولا سيما منها المشاركة في القوة الدولية العاملة في الجنوب نتيجة استقرار في المنطقة الحدودية وتضاؤل التحديات ازاء القوات المشاركة فيها. وتالياً، فإن ثمة خشية ان يترجم كل ذلك باحتمال التسليم في لبنان بأي خيار، تبعاً لتداعيات الوضع في سوريا متى تم التسليم بقبول الأسد ولو لمرحلة انتقالية من حيث المبدأ، بغض النظر عمّا يمكن ان يؤدي اليه ذلك، باعتبار ان التسليم بأي اتفاق على الصعيد الدولي سيعني انصراف الدول متى توقفت الحرب الى مسائل اكثر اهمية، من دون متابعة تفاصيل تنفيذ بنود الاتفاق او التسوية.
ولا ينحصر الامر بالانطباعات التي خلفها التراجع الغربي ازاء التدخل الروسي، بل انه يتصل وفق هؤلاء السياسيين برد الفعل العربي ايضا الذي لم يسجل موقفا عدائيا من التدخل الروسي المباشر في سوريا، فيما يسجل سياسيون كثر تراجع المملكة السعودية عن دعم “تيار المستقبل” في غياب دعم أي طرف بديل أيضاً، وهو ما يترك المجال واسعاً أمام التكهنات بأن الوضع السياسي في لبنان قد يُستتبع بالوضع في سوريا.
يقول هؤلاء السياسيون إن الرهانات ارتفعت لدى قوى 8 آذار على اثر تطورات الدخول الروسي المباشر على خط الحرب السورية دعماً للاسد، باعتبار ان ذلك يصب في مصلحتهم المباشرة، أي مواصلة تأمين استمرارية الرئيس السوري. ويقرأون مجريات طاولة الحوار بالاستناد الى المعطيات الاقليمية أيضاً. فما جرى على الطاولة حتى الآن من تثبيت لما قيل عن عدم حصول انتخابات رئاسية من الشعب، ذهب رئيس “تكتل التغيير والاصلاح” العماد ميشال عون الى المطالبة بها، بل انتخابات تحت سقف الدستور، انما اطاح في الوقت نفسه خيارات كان يمكن ان تشكل بديلاً موضوعياً من المرشحين المحسوبين على قوى 8 و14 آذار، ويملكون حيثية معينة خارج اطار الحيثية الشعبية التي يقول بها الزعماء الموارنة، على غرار قائد الجيش العماد جان قهوجي وحاكم المصرف المركزي رياض سلامة اللذين يمكن ان يشكلا بدائل موضوعية محتملة. وفي مقابل رفض القانون الارثوذكسي الذي استحضره عون أيضاً على طاولة الحوار، رفعت مرتبة قانون انتخابات على اساس النسبية بـ15 دائرة، بما قد يغري البعض وفق هؤلاء السياسيين من اجل تعديل موقفهم في شأن ترشيح أحد الزعماء للرئاسة، ونتيجة ضغوط كبيرة تمارس عليهم في الوقت نفسه. ومع جلسات للحوار لثلاثة أيام، حسم الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله عدم جدواها في الملف الرئاسي مجدداً، مع تأكيد استمرارية دعم حليفه العوني، يخشى السياسيون المعنيون ان تشكّل هذه الجلسات ضغطا متزايدا الى جانب ضغط المناخ السياسي المستجد تبعاً للتطور المتمثّل في التدخل الروسي ابقاء للأسد في موقعه، وهو ما لا يترجم إلاّ على فريق 14 آذار او ضده، ولا سيما ان هذا الفريق لا يمكن أن يعتبر في الموقع الأفضل داخلياً. وهذه النقطة تشكل موضوعاً آخر، لكن كثراً يخشون خسارة هذا الفريق لمتفهمي وجهة نظره وحساباته خارجياً نتيجة متغيرات وحسابات لمصالح كبرى.