Site icon IMLebanon

الطالب اللبناني: مشروع مُغترِب أم مشروع عودة ؟

تُعتبَر الكفاءات والخبرات البشرية في العالم ثروةً من أهمّ الثروات التي يمكنها تغيير مسار الأنظمة والشعوب، وهي توازي بأهمّيتها الثروات الطبيعية، إن لم تكن أهمَّها، خصوصاً في عالم يَرتكز على الاقتصاد والمعلوماتية، كما هو عالمنا اليوم.

قبل الإشارة إلى هجرة الأدمغة من لبنان، وهي ليست بجديدة بل متعارَف عليها منذ عقود، فإنّ بعض اللبنانيين يقيِّمون هجرةَ الأدمغة إيجاباً أكثر منها سلباً، لأنّهم اعتادوا الضخَّ المالي الذي يُرسله المغترب، على اعتبار أنّ إنتاج اللبناني الفكري في الخارج يقوّي اقتصادهم في الداخل.

لكنّ البعض الآخر يستفيض في عرضِ سلبيات هجرة الأدمغة ويقيّم انعكاسَها على نموّ لبنان الطبيعي والمعافى، والذي لن يستطيع تحقيق التنمية المستدامة والمنافسة في الأسواق العالمية.

وفي السياق، يرى الدكتور دال حتّي مسؤول جمعية «قرارات» ونائب رئيس مجلس إدارة «سعد غروب» والرئيس السابق لمركز معهد بيبلوس» للبحوث» أنّ النظام التربوي في لبنان يحتاج إلى تغيير، لأنّ مدّة صلاحيته انتهت ولم يعُد يَصلح لهذا العصر، وأصبح مجرَّد حشوٍ في دماغ الطفل والطالب، ومجرّدَ معلومات تُنسى بعد الامتحانات، ولا قيمة لها في هذه الأيام.

أمّا الجامعات في رأيه فقد غَدت مدارسَ مهنية أعطِيَت لقبَ جامعات، في حين لا يمكن تحويل معهد مهني إلى جامعة، فالجامعة لها حالة خاصة معيّنة، والمعهد المهني له حالة معيّنة.

لكن على رغم ذلك يعاني لبنان من عدم قدرة الجامعات على استيعاب جميع الطلّاب الطامحين إلى التخصّص فيها بسبب هاجس الطموح لتبَوُّء مراكز وظيفية عالية، فيما الطلّاب المتخرّجون ينطلقون بشهادات وتخصّصات لا سوقَ عمل لها ولا وظائفَ شاغرة، في وقتٍ يَشهد لبنان أعداداً متزايدة لهذه التخصّصات التي «أتخَمته».

وتُبيّن الإحصاءات استناداً إلى دائرة الإحصاءات المركزي والجامعات التربوية في لبنان ومركز البحوث والإنماء ومؤسّسة «لابورا» متطلّباتِ سوق العمل الحاليّة في لبنان، وتَلفتُ إلى ماهيّة المهَن المطلوبة، وماهيّة المهَن والتخصّصات المفترَض إلغاؤها في لبنان، لأنّ سوق العمل متخَمٌ بها، فيما تكشفُ الاستطلاعات أيضاً التوقّعات للمهَن المطلوبة بعد خمس سنوات إضافةً إلى التوقّعات عن الاختصاصات التي يُفترَض إلغاؤها بعد خمس سنوات ليتمكّنَ لبنان من تحقيق التنمية المستدامة أو المنافسة في الأسواق العالمية.

40 في المئة من الطلّاب يغادرون ولا يعودون

أمّا بالنسبة إلى الأعداد الهائلة من الطلّاب الذين يغادرون لبنان سنوياً ولا يعودون، فالإحصاءات تشير إلى أنّهم يتزايدون. بالمقابل فإنّ أكثر مِن سبعين ألف طالب جامعي يتابعون دراستَهم في الخارج. في حين قارَب عددُ الطلّاب اللبنانيين الجامعيين الذين غادروا لطلبِ العِلم الـ 40 في المئة، علماً أنّ عدد الطلّاب الجامعيين في لبنان بلغ عامي 2015 و2016 الـ 192000. وبالتالي يُعتبر الـ 40 في المئة اليوم مغتربين، لأنّهم فضّلوا الاستقرار خارج لبنان.

كما تكشف تلك الإحصاءات أنّ نسبة عودة هؤلاء هي اليوم في تراجُع مستمرّ، إذ إنّ نِسَب الطلّاب العائدين في السنوات ما قبل 2013 قاربَت الـ 80 في المئة، أمّا في سنوات 2014-2015-2016 فقد انخفضَت تدريجاً لتتدنّى من 80 في المئة إلى 50 في المئة.

وفي وقتٍ يتخرّج سنوياً ما يقارب الـ 50 ألف طالب للانطلاق إلى سوق العمل، يتمّ توظيف 12 ألف طالب منهم سنوياً فقط. أمّا الباقون فيغادرون إلى الخارج أو يتحوّلون إلى المخدّرات أو إلى الشوارع، أو يبقون في انتظار الدولة، خصوصاً الإناث، إذ إنّ غالبيتهنّ لا يستطعنَ السفر، فيبقينَ في لبنان، ينتظرنَ الوظيفة المفترضة أو فرَص حظّ أو العريس ! الذي لن يأتي لأنه يكون قد آثرَ الغربة.

الأمان الوظيفي

وترى مصادر تربوية مطلعة أنّ لبنان لم يوفّر الأمانَ الوظيفي للمواطن لكي يحلم أو يفكّر بالعودة إلى الوطن أو البقاء فيه، خصوصاً في هذه الأيام، بعد النزوح السوري الذي بدأ يملأ الفراغات والمجالات التي لا يعمل بها اللبنانيون.

وتسأل: هل يستطيع أحد أن يجد «كهرَبجي» في الأشرفية أو سَنكري لبناني في برج حمّود أو حتّى في جونيه؟ وفي الإجابة الصريحة.. لا، لأنّ اللبنانيين لا يَرضون العمل في هذه المجالات ولا يتخصّصون فيها، علماً بأنّ هذه المهن مداخيلُها، حسب الاستطلاعات، تفوق الـ 10 آلاف دولار شهريّاً.

غياب الاستراتيجيات

عن الأدمغة المهاجرة، يَعتبر الدكتور حتّي أنّ سُبلَ العيش اليوم لا تُحفِّزهم على البقاء أو على العودة، كاشفاً عن تخرّج مئات الطلّاب في الشمال هذه السنة مثلاً، حاملين شهادة Graphic Designer، متسائلاً: ماذا يفعلون بهذه الشهادة وأين تُصرَّف؟! وكذلك بالنسبة إلى آلاف من شهادات لـBusiness Administration والكيمياء وعلوم الحياة.

ويَلفت إلى أنّ الانتقادات تزداد على أداء الجامعات اللبنانية ودورِها التاريخي الذي يُفتقَد اليوم بعدما أصبح عملها Marketing بامتياز، في ظلّ غياب ملحوظ للاستراتيجيات والتوجيه في مسار التخصّصات وإبراز أهمّيتها وعرضِ حاجات سوق العمل والحدّ مِن هجرة الأدمغة وإيجاد فرَص عمل للطلّاب المتخرّجين.

في الإحصاءات:

اختصاصات سوق العمل المتخَمة بالخريجين:

• طبّ الأسنان – الهندسة المعمارية – الرسم الغرافيكي – إدارة الأعمال – البيولوجيا – الكيمياء • الآداب (أدب عربي- أدب فرنسي- أدب إنكليزي).

أمّا الاختصاصات المطلوبة في سوق العمل فهي:

• كافة اختصاصات المعلوماتية

Informatique et telecommunication

• Web design and Mobile Applications

• التمريض – الزراعة (وتشمل الألبان والأجبان وصناعة النبيذ) المهن الصناعية – عالم البحار – عالم المجوهرات – التأمين- المساحة – أمانة السر- العلوم الفندقية – المهن الحرفية – المحاسبة والتدقيق المالي – الوظائف الرسمية المدنية والعسكرية.

• مهن مستقبلية واعدة: المهن المرتبطة بعالم النفط.

مع الإشارة إلى أنّ سوق العمل لا يحتاج إلى شهادات فقط…

مشروع عودة!

في المقابل يرى حتّي أنّ التراجع الاقتصادي في الوقت نفسه منذ العام 2008 ولو بَعد 8 أشهر على نتيجة هذه الإحصاءات، أصبح واقعاً يسود العالم. لأنّه مع تراجُع سعر النفط انهارت مشاريع كبرى وسقط الحلم الكبير لمعظم الشبّان بتكديس الثروات بفضل هذا النفط، وأصبح الناس يحبّذون العودة، حتى في أميركا وأوروبا وإيطاليا واليونان وألمانيا.

فلم يعُد اللبناني يجد ما يَطمح إليه، لذلك باشَر جدّياً في التفكير بالعودة، والبقاء مع عائلته بدَخلٍ متوسّط، لأنّ للغربة أيضاً أثمانَها الغالية، حسبَ شهادات بعض الطلّاب المغتربين.

ويوضح حتّي: «اليوم، ورغم الإحصاءات التي أجريَت منذ 8 أشهر مؤكّدةً أنّ أعداد المغادرين من الطلّاب تتزايد، فإنّ المسار يشير إلى أنّ الأجواء بدأت تتبدّل. فوصول دونالد ترامب واليمين المتطرّف في أميركا وأوروبا يحفّز الناس إلى العودة والبقاء في الوطن، حتّى إحصاءات شركات السفر أخيراً تشير إلى أنّه لم يعُد هناك ضغطُ مغادرة إلى الولايات المتحدة أو إلى أوروبا كما في السابق.

فالوضع السياسي الجغرافي، والتوجّهات السياسية في العالم تشير إلى «ردّة قوية»، بما في ذلك المؤسسات والجمعيات اللبنانية التي كانت تتلقّى السيرات الذاتية المرسَلة من اللبنانيين من قطر والسعودية ومصر والكويت بمعدّل 20 سيرة ذاتية يومياً، تتلقّى اليوم آلاف السيَر الذاتية التي تريد العودةَ والعملَ في لبنان، فيما لبنان ليس مهيَّأً بعد لحاجة سوق العمل اللبنانية.

فيما تكشف مصادر تربوية متابعة عن قدوم المستثمرين في الصيف المقبل، متأملة من العهد الجديد تخصيص وزارة تقارب الواقع والآمال متسائلة: من اين نأتي بالفريق الملائم للعمل والتنسيق مع أولئك المستثمرين؟ لذلك نرى ان ايجابية العهد تكون بمجيء المستثمرين في الصيف وبعودة الادمغة للعمل في هذه المشاريع الكبيرة والا فمن اين سنأتي بالموارد والطاقات البشرية الكبيرة؟

هجرة الأدمغة

في وقتٍ لا يمكن إيقاف هجرة الأدمغة، هناك قدرة على إدارتها. بالإضافة إلى أنّ هذه الهجرة تطاول اللبنانيين الذين هم في السنّ الأكثر إنتاجاً 24-45 سنة، فيما المتخرّجون اللبنانيون هم على مستوى عالميّ لجهة قدراتهم العلمية، ويتمتّعون بموارد بشرية عالية، في وقتٍ تسعى الدول المتطوّرة لاجتذاب الأدمغة من الدوَل الأخرى مع المحافظة على أدمغتها، وهذا أمرٌ يَعجز عنه لبنان.

وعلى الرغم من ذلك، تؤكّد مصادر دائرة الإحصاء المركزي ومصادر المراكز التربوية الناشطة أنّ هناك وسائل عدة للحدّ من هذه الهجرة، ومِن أبرز أساساتِها اعتمادُ سياسات رؤيوية من خلال:

1- معالجة الوضع الأمني والسياسي، ومن ثمّ استحداث القوانين وتطويرُها واعتماد الشفافية في المعاملات الرسمية والتوظيف.

2- تشجيع الجامعات على تنويع برامجها وتشجيع الطلبة على دخول برامج تقنية عالية، وليس الحصول على دراسات جامعية ليس لها سوق عمل.

3- تمويل مراكز أبحاث خاصة وتشجيع التميّز والأفكار الجديدة والاختراعات وإعطاء المنَح للاختراعات.

4- تأسيس مركز معلومات حول المهَن، يساعد الطالب في تحديد مساره الدراسي والمهني.

5- تمويل كلفة التدريب عبر تقديم قروض ومنَح للطلّاب

6- سياسات معيّنة من خلال برامج محدّدة تساعد صاحب الكفاءة على العودة بعد السنوات المحدّدة للهجرة.

«لابورا» تناشد العهد

بدوره، يوضح رئيس مؤسسة «لابورا» الأب طوني خضرا لـ«الجمهورية» أن لا إحصاءات أكيدة في لبنان تؤكّد أرقام الطلّاب المغتربين بدقّة، بل هي إحصاءات تقديرية، والمقصود من العملية إبراز الضوء الأحمر للإشارة إلى المشكلة، موضحاً: «لا نريد التقاتلَ على الأرقام بل على حماية شبيبتِنا وإعلاء الصوت والسؤال؛ لماذا يهاجرون الشباب؟

والجواب بحسب تعبيره: «لأنّهم يتخصّصون في لبنان في موادّ لا سوقَ عملٍ لها حالياً، فيلجأون إلى الخارج، بالإضافة إلى المشكلة الاقتصادية التي تُسهم في دفعِ الطلّاب إلى الهجرة. فالمؤسسات الكبرى تُقفل أبوابَها، والعمّال السوريّون والمصريّون يحجزون أماكنَ كثيرة مِن المفترَض أن يَشغلها اللبنانيون، ولا تطبيقَ لقانون العمل بشكل منضبِط». ويضيف: يتخرّج سنوياً 4 آلاف مهندس فيما سوقُ العمل يحتاج 500، فماذا نفعل بالـ 3500 المتبقّين؟

فإذا وجَدوا عملاً في الخارج سيغادرون، ولهذا نسأل:

1- أين دور المؤسسة الوطنية للاستخدام؟

2- أين دور وزارة العمل بتطبيق القانون؟

3- أين دور الشباب في البيان الوزاري في الحكومة الجديدة؟

4- ما هي خطة الوزارة لاسترداد الأدمغة المهاجرة من لبنان؟