تدور المفاوضات التي يجريها مستشار الرئيس الأميركي لشؤون الطاقة والإستثمار آموس هوكشتاين بين لبنان و”إسرائيل” للحدود اللبنانية، حول ترسيمها أو تثبيتها أو تحديدها أو إظهارها. فالحدود اللبنانية مرسّمة أساساً ولا تحتاج سوى للتثبيت، على ما يقول خبراء الحدود، بحسب الإتفاقيات المعقودة بين لبنان وفلسطين وسوريا، ما يجعل التفاوض مع “الإسرائيليين” يمنحهم مكتسبات لا يحقّ لهم بالحصول عليها. ولكن هل حدود لبنان الجنوبية مرسّمة فعلاً بكاملها؟!
يكشف السفير الدكتور بسّام النعماني المتابع لقضايا الحدود البريّة والبحرية لجريدة “الديار” أنّ الجيش اللبناني ومديرية الشؤون الجغرافية والمديرية العامة للأمن العام، هم المسؤولون عن إعلام القيادات السياسية في لبنان والتي تمسك بملف المفاوضات على الحدود، بأن هنالك قسما من الحدود اللبنانية يحتاج إلى “ترسيم”. وهذا يعني أنّه لا مهرب من إجراء المفاوضات عليها. فصحيح بأنّ “إتفاقية بوليه- نيوكومب” الموقّعة في العام 1923 قد رسّمت الحدود بين لبنان وفلسطين وتمّ تسجيل هذه الإتفاقية في عصبة الأمم، ولاحقاً لدى الأمم المتحدة وبالتالي أصبحت الحدود معترف بها دولياً. وصحيح كما قال الدكتور عصام خليفة بأنّه بحسب إتفاقية الهدنة العام 1949 مع العدو الإسرائيلي، إنّ خط الهدنة يتطابق مع الحدود الدولية بين فلسطين ولبنان ما شكّل إعترافاً من العدو بأنّ “إتفاقية بوليه-ن يوكومب” هي الحدود الدولية بين لبنان وفلسطين بفضل فطنة رئيس الوفد اللبناني العميد توفيق سالم. وصحيح بأنّ لجنة الهدنة قد قامت بتعليم وبتثبيت خط الحدود في العام 1950 ورسمت خرائط جديدة مفصلة لها.
غير أنّه حصل أمر طارىء، على ما أوضح، لم يكن بالحسبان، ألا وهو إحتلال إسرائيل للجولان في العام 1967. فضلاً عن أنّ العدو احتلّ مناطق متنازع عليها بين لبنان وسوريا. وهذه المناطق كان قد امتد التنازع الزمني عليها بدون حسم واضح لمدة تتجاوز الخمسين عاماً. وهي بالتحديد: بلدتي الغجر والنخيلة، ومزارع شبعا. فبالنسبة للجولان، تقدّمت “إسرائيل” واحتلت المنطقة التي تمتد من جسر الغجر (وهي التي كانت تسمى الـ Tripoint))، أي النقطة الثلاثية التي تلتقي فيها الحدود اللبنانية، والسورية، والفلسطينية) حتى وصلت إلى نقطة في جبل الشيخ المعروفة بقصر عنتر وهي ترتفع نحو 2682 متراً فوق سطح البحر. جسر الغجر إذن منذئد توقف عن أن يصبح الـ Tripoint، وجرى إستبدال نقطة الإلتقاء الثلاثية بقصر عنتر. فبعد أن كانت الحدود بين جسر الغجر وقصر عنتر هي حدود لبنانية – سورية قبل العام 1967، أصبحت حتى يومنا هذا خط تماس بين حدود لبنان ومناطق الإحتلال الإسرائيلية ويشار إليها بخط الإنسحاب.
وهذا يعني، على ما تابع السفير النعماني، بأنّ المشكلة الحالية أصبحت الآتية: خط الحدود اللبناني – السوري القديم الممتد من جسر الغجر إلى قصر عنتر غير مشمول بـ “إتفاقية بوليه-نيوكومب” وغير مُرسّم عليها. كما أنّه غير مشمول بإتفاقية الهدنة بين لبنان والعدو الإسرائيلي وغير مُرسّم على خريطة خط الهدنة أيضاً. هو مرسم فقط على خرائط الجيش الفرنسي منذ أيام الإنتداب. ومثل باقي النقاط المتنازع عليها على الحدود اللبنانية مع سوريا التي كانت تمتد من جسر الغجر إلى أقصى الشمال في العريضة، فقد خضعت هذه الحدود إلى العديد من التباينات والإختلافات. ويحاول بعض المسؤولين اللبنانيين صرف النظر اليوم عن أنّ الحدود اللبنانية- السورية مرسّمة وموجودة على الخرائط بموجب إتفاقيات سابقة بين البلدين، ولا مشكلة فيها. إلا أن هذا الكلام غير دقيق على الإطلاق. والأنكى من ذلك، أن العدو الإسرائيلي قد “ورث” هذا التنازع على الحدود بين سوريا ولبنان في مزارع شبعا، والنخيلة، والغجر، ومنطقة جسر الغجر- قصر عنتر. وليس صحيحاً بأن لا دخل للعدو بها، وأنّه على لبنان وسوريا أن يتفقا على الحلّ.
وفي هذا السياق، يوضح النعماني بأنّ خط الحدود القديم مع سوريا بين جسر الغجر وقصر عنتر يمتد لنحو 20 كلم، بينما الخط الأزرق من رأس الناقورة حتى جسر الغجر (الـ Tripoint القديم) يمتد لنحو 80 كلم. والتحفظات اللبنانية على 15 نقطة على طول الخط الأزرق لا يتجاوز الـ 5 كيلومترات. إلا أن المشكلة الكبيرة الثانية والتي لا يتطرق إليها أحد، هي أن الأمم المتحدة قد استغلت التحفظ اللبناني على مزارع شبعا، فقامت بإعادة رسم الحدود بين جسر الغجر وقصر عنتر بطريقة خالفت فيها كل الخرائط المرسومة القديمة المتوافرة للحدود اللبنانية- السورية. ورسمت خطاً متعرجاً يوافق مصالح العدو الإسرائيلي. ولا نعرف حتى الآن المساحة الإجمالية التي اقتطتعها الأمم المتحدة لصالح العدو. ولا يمكن للبنان أن يتحجج بأن هذا الخط لا يوافق “إتفاقية بوليه-نيوكومب” لأنه خط حدودي لم يخضع لهذه الإتفاقية في الأصل. ولهذا لا مهرب من إخضاع هذه المنطقة للمفاوضات وللترسيم.