غياب سلطة منتخبة بسوريا وفراغ رئاسي في لبنان يُبقي الطموحات في إطار الحماسة النظرية
بعد زيارة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي السابق وليد جنبلاط والوفد المرافق إلى دمشق ولقائه الايجابي مع قائد ألوية الثوار أحمد الشرع، واعلان الاخير لرؤيته، للخطوط العريضة للعلاقات بين لبنان وسوريا في المرحلة المقبلة، والتي ترتكز على أسس احترام سيادة كل دولة وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، او مناصرة طرف على أطراف اخرى، كما كان يحدث ايام نظام البعث الساقط، طرحت تساؤلات واستفسارات عديدة عن الجهة الحكومية اللبنانية، المخولة التواصل مع الإدارة السياسية السورية الجديدة، لتحديد اسس التواصل والتعاون لارساء علاقة ثابتة ومستدامة بين البلدين، انطلاقا من المتغيرات التي حصلت، والبحث في ازالة وتبديد كل الشوائب والتجاوزات وحتى الاختلال في الاتفاقيات المعقودة بين البلدين سابقا، والتي يرى فيها لبنان اجحافا كبيرا بحقه، وتفاوتا بعدما أُقِرَّت تحت ضغوط وجود الجيش السوري في لبنان، وغياب التوازن السياسي بين السلطتين في سوريا ولبنان.
أكثر من جهة سياسية تعتبر ان المواقف التي اعلنها احمد الشرع بحضور جنبلاط مؤخرا عن رؤيته لشكل العلاقات اللبنانية السورية في المرحلة المقبلة، امر مشجع ويبعث على التفاؤل ويمكن البناء عليه، ولكنه يبقى نظريا، اذا لم يُستتبع بتشريعات وقوانين واتفاقيات جديدة بين البلدين، وهذا غير متيسَّر حاليا، لسببين رئيسيين، الاول، غياب سلطة سورية منبثقة عن انتخابات شرعية، بعد سقوط النظام وهروب الرئيس بشار الاسد إلى روسيا، والشرع يمثل الادارة السياسة المؤقتة لسوريا، ومواقفه تعبر عن نوايا حسنة وسياسة جديدة تجاه لبنان، لكن بحاجة لتثبيتها رسميا باتفاقات قانونية بين البلدين، وهذا غير متوفر حاليا بعد.
اما السبب الثاني، مرور لبنان حاليا بمرحلة انتقالية، بغياب وجود رئيس للجمهورية منذ أكثر من سنتين، وحكومة مستقيلة تصرف الاعمال، وبالتالي يصعب عليها بالمقابل، التباحث مع الإدارة السياسية السورية الجديدة، للاتفاق على اسس تنظيم العلاقات اللبنانية السورية واقرار اي تعديل على الاتفاقات المعقودة سابقا بين البلدين الشقيقين.
وترجح هذه الجهات أن تبقى المواقف المشجعة التي اعلنها الشرع تجاه لبنان ضمن التفاهمات الشفوية المؤقتة، لتسيير العلاقات بين البلدين، إن كان بما يخص تسهيل حركة انتقال المواطنين والبضائع بين البلدين، وعبور الشاحنات اللبنانية وتصدير المنتجات الى الخليج العربي، والتنسيق المشترك في الشؤون الامنية، بانتظار تخطي لبنان مرحلة الشغور الرئاسي وانتخاب رئيس للجمهورية في الموعد المحدد في التاسع من الشهر المقبل، وتأليف حكومة جديدة، باستطاعتها التواصل مع الإدارة السياسية السورية الحالية، للتنسيق والتفاهم على تسيير الامور والمشاكل المختلفة والضرورية بين البلدين، والتي لا تحتمل التأجيل، بانتظار قيام سلطة منتخبة وحكومة سورية، قادرة على إتخاذ الإجراءات والقرارات لأسس العلاقات اللبنانية السورية الجديدة في المرحلة المقبلة.
ولذلك، وبسبب ظروف لبنان، والفراغ الرئاسي وقرب اجراء الانتخابات الرئاسية، ووضعية الادارة السياسة المؤقتة في سوريا، يُنتظر ان تطول مرحلة التنسيق التشاوري بين البلدين، لحين اكتمال قيام سلطة جديدة في سوريا، وانتخاب رئيس للجمهورية في لبنان.