IMLebanon

النظام اللبناني: عبقرية أم عار؟

عبقرية النظام اللبناني أسطورية. هذا النظام صاحب قدرة هائلة على إفلاس القضايا الرابحة، وعلى أبلسة الملائكة، وشيطنة القديسين. كان يجدر بذكاء كهذا، أن يبتكر حلولاً لبؤس اللبنانيين اليومي، على الأقل أن ينير بيوتهم، ويرفع القمامة من شوارعهم، ويعلم أولادهم، ويطبب مرضاهم، ويعيل شيوخهم. لكن النظام عوضاً عن السعي لتأمين الحد الأدنى من هذه الحقوق الأساسية، اندفع يحمي طائفيته وفساد أركانه. تتناسل الأزمة تلو الأزمة، في تآمر بين مكوناته ضد المواطن الحر البسيط الذي لا يريد إلا دولة الحد الأدنى من الاستقرار والعيش الكريم.

نظام الكذب والدجل وضع اللبنانيين في مواجهة بعضهم بعضاً. لم يكتف بالانقسامات الطائفية والمذهبية والطبقية والسياسية التي يغذيها ليل نهار، بل ابتدع عداوات بين أصحاب الحقوق ومناصريهم وبين بقية المواطنين. من السهل على النظام تحويل أي أزمة إلى فرصة ربح لزعماء الطوائف ولوردات الحرب.

أي عبقرية هذه التي تحول أزمة النفايات، التي وحدت اللبنانيين، الى منجم ذهب من عائدات الجمع والترحيل. كانت «سوكلين» هي العدو المالي الجشع والوحش البيئي، صارت مطلباً اليوم. وكان هم التحرك الشعبي وقف الهدر. اليوم النفايات جبال في الشوارع والتحرك الشعبي جثة. وصار ناشطو «الحراك» مشتبها في وطنيتهم، وفي ذممهم المالية، وبات كل مطلب لهم للمحاسبة، خيانة وانقلاباً على الطائفة. أي عبقرية هذه؟

قبل التحرك المدني الأخير، ابتلع النظام وبتواطؤ مكوناته المختلفة على كل شيء وبكل شيء، «هيئة التنسيق». من يتذكرها؟ كان معلمون يطالبون برواتب منصفة. التف عليهم النظام بوعد «سلسلة الرتب والرواتب»، وأدخل المعلمين الذين لا دراية لهم بألاعيب السياسة، في دهاليز الأرقام والنسب واللجان ومجلس الوزراء، ووضع «الهيئة» في مواجهة التجار والصناعيين والهيئات الاقتصادية، وأدخل مطالب المعلمين في بازار فراغ المؤسسات، لينتهي التحرك بقطع أنفاس ناشطيه وتيئيس مناصريه.

وهناك عشرات النماذج المماثلة، وآخرها بالأمس، عندما مارست السلطة الحامية للنظام المغتصب، اللعبة ذاتها ضد 2400 متطوع في الدفاع المدني، يعيلون 2400 عائلة. اعترفت السلطة بأحقية مطالبهم وأقرت تثبيتهم في تقدير كامل لتضحياتهم التي وصلت الى حد الشهادة. وكعادتها مارست «حربقتها» المبتذلة: وعود ومماطلة وإحالة الى اللجان، وبحث عن مصادر تمويل، في الموازنة العاجزة التي تمول بكل أريحية سرقات الكهرباء وغيرها.

متطوعو الدفاع المدني مارسوا شتى أنواع الضغوط السلمية: اعتصموا بحراً، ودفنوا أنفسهم أحياء، وجربوا التطوع في سوريا التي تنهشها الحرب، وصبروا على كذب الدولة، أسبوعا تلو الأسبوع. وفي نهاية الأمر، لم يجد مجلس الوزراء الذي ينعقد بشق النفس، الوقت الكافي للبحث في تثبيت الشبان والشابات الذين يضعون أرواحهم على أكفهم لحمايتنا.

يغضب اللبنانيون على السلطة لعدم وفائها بوعودها. قلة الوفاء هذه دفعت بالمتطوعين الى الشارع. السلطة دفعتهم إليه عن قصد وتصميم، لعلمها ان تعاطف اللبناني مع مطلب المتطوعين المحق سيتلاشى مع ساعات الاحتجاز القاهرة داخل السيارات في نهاية يوم عمل طويل. وقف أركان السطة مزهوين بانتصارهم، يراقبون من دون أي اعتبار عشرات آلاف اللبنانيين العاجزين والمحتجزين على الطرقات بالوعود الكاذبة، مزهوين لأنهم حولوا «الدفاع المدني» إلى عدو للناس. هذه ليست حربقة ولا عبقرية. هذا عار واستحمار.