نحتاج كلبنانيّين أن نطرح على أنفسنا مجموعة أسئلة وأن نجيب عليه بعقلانيّة شديدة: هل إذا تشكّلت الحكومة لاستلام زمام الأمور منتصف ليلة 31 تشرين الأوّل الموعودة حتى لا تقع البلاد في الفراغ هو حلٌّ لأزمة لبنان؟ وهل لاتفاق على اسم رئيس جديد للبلاد ستنصلح به الأمور ويجود علينا الزّمان بالعزّ الذي كان؟ هل إجراء انتخابات نيابية بعد 4 سنوات سيبدّل الطبقة الحاكمة وسيأتينا المزيد من النوّاب التغيريّين عديمي الخبرة والرؤية والخطّة والهدف فتنقلب أحوالنا الرديئة إلى أفضل الأحوال؟ كلّ هذه إن تغيّرت وتبدّلت سيتغيّر شيء على اللبنانيّين، ظاهريّاً ربما على طريقة السّنوات العشر التي كان فيها الرئيس رفيق الحريري رئيساً للحكومة فاعتقدنا أنّ الزّمان ابتسم للبنان إلا أنّها كانت أحوال المنطقة وما حولها، وللمناسبة إذا لم تكن إسرائيل أو سوريا أو إيران سيكون هناك دائما سبباً لارتجاج لبنان وعدم استقراره إلى أبد الآبدين!
يشبه حالنا، حال كلّ الحكايات التي كان أبطالها الحمير، أو أصحاب الحمير، يشبه حالنا حكاية حمار الرّجل التي ذهبت مثلاً، يُحكى أنّ رجلاً مسافراً ومعه حماره مرّا بأرض قاحلة جرداء وكان مع الرجل زادَه أمّا علف الحيـوان فقـد تعـذر الحصول عليه..فرأى الرّجل كوخاً فاتّجه إليه فرأى رجلاً مسنّاً فيه، وكان الحمار قد أشرف على التّلف من شـدّة الجوع، فقال الرّجل للشيخ:يا عمّ أنا لا أريد منك شيئاً سوى القليـل من العلف لأنّ الحمار سيموت جائعاً؟ فقال العجوز: يا عمّ هذا الذي طلبته بسيط، إصبر قليلاً وسوف يأتي الربيع وهذه الأرض كلّها تصبح خضراء وحمارك به الخيـر ودعه يرعى!!
فقال الرجل: يا عمّ..نحن أين وفصل الربيع أين؟! أنا أقول لك الحمار سوف يموت من الجـوع!! فقال الشيخ: يا رجل، هي كلها كم شهر وأين هي المشكلة؟؟ فقال الرّجـل يخاطب حماره: هل سمعت يا حمار؟ هي كلّها كم شهر يا حمار.. موت يا حمـار لما يجيك الربيع!
حتى الآن المشهد اللبناني لا يُصدّق، مشهد ضبابي مخيف لا يستطيع أحد معه أن يقرأ تحوّلات الأحداث المقبلة على لبنان، وعضّ الأصابع بين الرئاستين الأولى والثالثة متواصل وقد أوصل البلاد إلى مرحلة الـ”جمر تحت الرّماد” وهي مرحلة خبرها اللبنانيّون جيّداً أيام الحرب الأهليّة مع كلّ جولة عنف كانت تندلع عندما تصل الأمور إلى نفس المشهد المقفل الذي نصطدم به اليوم! وحده الله يعلم ما تخفيه الأيام المقبلة عن اللبنانيين، اللعبة أقفلت في وجه اللاعبين، وللمناسبة كلّ الفرقاء يتحمّلون مسؤوليّة عدم تشكيل الحكومة، كلّهم في التعطيل سواء، وكلّهم تضافرت جهودهم لإيصال البلاد إلى هذه اللحظة، وكلّهم سيتورّطون في الفوضى والانزلاق إلى الاضطرابات التي ستهزّ أمن البلاد الهشَ أكثر ممّا يتصوّر البعض!
لا أمل في تغيير الحال إلا في تغيير النّظام، أيّ متابع لتسلسل الأحداث منذ العام 1958 وحتى اليوم سيعرف أن العطب الحقيقي موجود في النظام اللبناني، وأنّ “الطائف” كان وهم وثيقة اتفاق وطني والتّعطيل أكبر دليل على أن الطّائف كان مجرّد أوامر دوليّة بوقف الحرب في لبنان للتّفرّغ للعراق، المشكلة الوحيدة التي تزيد الأمور تعقيداً أنّه ليس هناك حكماء ليديروا الأمور ويعيدوا صياغة النّظام اللبناني، وحتّى إن وجدوا لن يتركوهم يعملون لصالح لبنان ونظامه ودولته!