IMLebanon

ما هي وجهة سياحة اللبنانيين الجديدة؟

 

بين لبنان وسوريا “أخوّة” في البؤس

 

قديما كانوا يقولون: إصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب. اليوم باتوا يرددون: خبّئ قرشك الأبيض الى يومك الأسود، وبين بين تغيّرت العادات عند كثير كثير من اللبنانيين. فماذا علينا أن نتوقع بعد؟ هل استفاد اللبنانيون من فترة عيد الفطر، كما أيام زمان، وسافروا الى تركيا أو قبرص أو شرم الشيخ أو الأردن ليمضوا إستراحة العيد؟ هل أصبحت وجهة سفر اللبنانيين، في أقصى الطموحات، سوريا؟ هل ارتدّ اللبنانيون الى السياحة الداخلية أم أن أقصى حلم عند الفرد اللبناني بات أن يسافرنحو مصير جديد؟

 

أعلنت سوريا، من خلال «مكاتب سفرياتها»، عن رحلات سياحية الى دمشق وبلودان والزبداني ومعلولا وأرواد وتدمر وطرطوس واللاذقية وحلب وصيدنايا وقلعة صلاح الدين وأماكن تصوير باب الحارة… وكشفت، بفائض من التباهي، عن أرقامها السياحية الجديدة. سوريا ضخّمت تلك الأرقام كثيرا لتقول: أنا هنا! وأنا في قلب المعادلة السياحية من جديد! لا نصدق طبعاً كل ما تقوله سوريا الأسد هناك ولا أتباع سوريا هنا.

 

في كل حال، قبل الغوص في الحدود المفتوحة بين بوابات العبور في لبنان وسوريا والأردن، سألنا نقيب أصحاب مكاتب السفر والسياحة في لبنان جان عبود عن حال اللبنانيين؟ هل سافروا كما كانوا يفعلون أيام زمان قبل أن يطل من يكرر عليهم: إنسوا أيام زمان؟ وهل ارتفعت الحركة السياحية في الأعياد؟

 

الأرقام تتحسن

 

جان عبود يتحدث لأول مرة، منذ دخل لبنان في دهليز الأزمات، عن تحسن، بالمقارنة مع عامي 2020-2021 وقال «كانت مبيعاتنا، كمكاتب سياحة وسفر، 645 مليون دولار شهرياً وتراجعت في العامين الماضيين الى 4 ملايين دولار في الشهر. لكن سوق قطع التذاكر عاد وبلغ في الشهرين الماضيين 25 مليون دولار. هو تحسن ملفت». يضيف عبود: «على صعيد السياحة إلى لبنان فهي في تحسّن إذ وصل الى مطار بيروت، في الأيام العشرة الماضية، نحو 13 ألف راكب يومياً. إنه مؤشر إيجابي. وأكثر الوافدين الذين وصلوا (بعد المغتربين الذين أتوا للإحتفال بالأعياد) من الجنسيات المصرية والعراقية والأردنية».

 

ماذا عن حجوزات اللبنانيين الى الخارج؟ ماذا عمن كانوا ينتظرون عيد الفطر للسفر «يومين» الى البلاد القريبة؟ يجيب عبود: «هناك طائرات عديدة امتلأت باللبنانيين الذين توجهوا الى شرم الشيخ والقاهرة تحديداً. وهناك عروضات كثيرة انطلقت لموسم الصيف خصوصاً الى تركيا ومرمريس وبودروم وأزمير. الحجوزات الى اليونان أقل لأنها أغلى. اللبنانيون شعب «ما بيموت» وسيظل يحاول أن يتنفس ويعيش. وهناك 120 ألف مقعد أمام من يحب السفر والسياحة من اللبنانيين بين 15 حزيران و15 أيلول».

 

اللبنانيون مغامرون. ومن قرر أن يحجز عليهم أموالهم، ومن سكت ويراوغ، كمن يقرر أن يقطع الهواء عن القلب والروح. إنه موتٌ قبل الموت. في العام 2018 سافر 350 ألف لبناني الى تركيا. اليوم يحلم كثير من هؤلاء أن يهاجروا الى الأبد وهناك من لا يزال يصرّ أن يسرح ولو لساعة بين الغيوم.

 

إلى صيدا

 

هي أول مرة من زمان نسمع فيها من يتحدث عن تحسن. لكن، هل لذلك سبب وجيه؟ من ساح في لبنان في الأسبوعين الماضيين، في خلال الأعياد، وقصد أحد المطاعم، بعدما ملأ خزان سيارته بتنكتي بنزين، وقدم لأولاده منقوشة صباحاً وقرن بوظة عصراً، تمنى لو وضعهم جميعاً في الطائرة وساح بهم في مدينة إسطنبول. الأسعار هنا نار. أحدهم قصد مع زوجته وولديه مدينة صيدا أول أيام الفطر. تمشى على الكورنيش البحري. ودخل ظهراً الى إستراحة صيدا. طلب نرجيلة وقنينة مياه كبيرة على عجل. نظر صوب البحر ثم في لائحة الطعام أمامه فجحظت عيناه. النرجيلة 155 ألفاً. قنينة المياه المعدنية 50 ألفاً. تنكة المشروبات الغازية 50 ألفاً. صحن حمص بطحينة صغير 95 ألفاً. جاط التبولة 175 ألفاً. وطبعاً «الهريبة» تلتين المراجل. بئس هذا الزمن. حجة العاملين في المطعم أن أسعارهم محددة من «السياحة». خرج «المحتفي بالأعياد»، الذي حاول أن يفرح، وسأل عن كلفة الدخول الى قلعة صيدا البحرية فأتاه الجواب: 2500 ليرة لبنانية على الشخص الواحد. لمعت عيناه فرحاً وأمضى مع عائلته طوال النهار يسوحون.

 

من يمسكون الرقاب والعباد يتحدثون عن أن «عيش اللبناني» بعد الأزمة لن يكون أبداً كما قبلها. «فلقونا» بذلك. إنهم يخبروننا أن الحياة لن تليق بعد اليوم إلا بالمغتربين ومن يتقاضون أجورهم بالعملة الصعبة. وها هم اللبنانيون يحاولون الصمود. والسؤال، هل محاولة الصمود هي نوع من التأقلم؟ ما يحصل في لبنان يحصل هو نفسه في سوريا. ويبدو، أن هناك من يحاول أن يجعل سياحة الشعبين تقتصر على البلدين.

 

 

الوضع «ميّت»

 

أحد سائقي مكاتب السياحة والسفر بين سوريا ولبنان يجيبنا قبل أن نسأله: «الوضع ميّت» ويشرح «ما حدا قادر بقا لا يروح ولا يجي. أما أكثر من يأتون الى لبنان فهم من الإخوان العراقيين. يصلون الى هنا وغير مسموح لهم الإنتقال من لبنان براً الى سوريا من دون تأشيرة سبق وحصلوا عليها من السفارة السورية في بغداد. هذا إجراء جديد إعتمده السوريون عند الحدود، مع العلم أن العراقيين الآتين عبر الحدود العراقية – السورية يعبرون الى سوريا بلا تأشيرة». يضيف: «هناك عروضات كثيرة ظهرت قبيل عيد الفطر وشملت إقامة مدة سبعة أيام في لبنان «كاملة مكملة» بسعر 700 دولار أو أقل. والعراقيون أتوا شباباً «غروبات»لا ضمن عائلات».

 

ماذا عن السياحة بين لبنان وسوريا في الأعياد؟ يجيب اللبناني آدم المسؤول عن مكتب سفريات: «اللبناني الذي كان ينزل الى سوريا مرتين في الشهر صار يذهب مرة كل شهرين. كلفة النزول الى الشام 10 دولارات والعودة 10 دولارات. وغالبية من يذهبون حالياً من اجل السياحة الدينية لا للتسوق كما في السابق. كل شيء في سوريا أصبح أغلى من لبنان». ويستطرد: «كثيرون يرغبون ربما بالذهاب لكنهم يخافون مع العلم أن الشام أمان. وأسبوعياً، في نهاية كل أسبوع بالتحديد، ينزل الى هناك نحو 15 بولمان. وتستغرق الرحلة أقله ست ساعات، بينها أربع ساعات إنتظار على الحدود ذهاباً ومثلها أياباً. هناك موظف واحد يعمل عند الجمارك اللبنانية، وفي أحسن الأحوال يرتفع العدد الى إثنين، وهناك أربعة عند الجمارك السورية. وما يلفت أيضاً أن كل الطريق، في الداخل اللبناني، محفرة، مرقعة، أما الطريق، ما بعد الحدود اللبنانية – السورية، نحو الداخل السوري، فمعبدة. أكثر من ذلك، الطريق في سوريا لم تقفل يوما جراء الثلوج أما طريق ضهر البيدر فلنا معها، نحن سائقي البولمان، صولات وجولات».

 

هل تعود أيامها؟

 

يبدو أن معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق بين البلدين، سوريا ولبنان، تزهو اليوم أكثر من أي يوم. وذلك على حساب الشعبين البائسين، مع فارق أن الأسد – الإبن يحاول أن يقول للعالم «عادت سوريا» في حين أن «الزعماء» اللبنانيين ينتظرون إلتفاتة من مكان ما، من شرق أو من غرب، ليقولوا أن لبنان سيعود. حتى أسوأ الأنظمة تكاد تصبح أفضل من النظام اللبناني.

 

في مطار بيروت

 

منذ أيام، في مطار بيروت الدولي، قبلات ودموع وشوق كبير. إنتظرنا. هي لحظات يطل فيها المسافر الواصل للتوّ، فيرى أيادٍ تلوّح له. لكن، في أيامنا هذه، بات بدل أن يبتسم يعبس للأصوات التي تلاحقه: تاكسي تاكسي… أصوات في قلب قلب المطار. وشباب، يلاحقون المسافرين مثل ظلهم. فبأي حقّ يسمح لهم بالدخول الى حيث لا يسمح لأي من الأهالي بالعبور؟

 

جيلبير أبو شعر هو ايضاً «ساح» في عيد الفطر وقبله ويسوح يومياً على مساحة 10452 كيلومترا مربعاً. هو كان مهندس إتصالات طوال 13 عاما قبل أن يقتحم، منذ تشرين الأول من العام 2020، أبواب «الهايكنغ» والسياحة الداخلية في لبنان. يبدو مؤمناً جداً بقيامة لبنان. ويتحدث عن شغف المغتربين في إكتشاف بلدهم ويقول «أتلقى يومياً عشرات الإتصالات من سياح يسألون كيف يصلون الى شلالات معينة، وأنا اعطيهم كل الأجوبة، بغض النظر إذا رافقتهم في رحلتهم أم لا». ويستطرد بالقول ضاحكا: «أتلقى إتصالات أكثر من وزارة السياحة». قطع جيلبير، قبل أيام، مسافة 1100 كيلومتر في سيارته، يضاف إليها 30 كيلومترا سيراً على الاقدام، من بحر لبنان الى ثلوجه، ومن وديانه الى جباله، «امشي مع النهر، وأفرح كثيراً. البارحة، ذهبت مع وفد سياحي الى الشوف والجاهلية ونهر الجاهلية وشلالات الزرقا. ونقوم مع إستكشاف الأرض بأنشطة عديدة. وبين زبائني الذين أصبحوا أصدقاء كثير من العراقيين. وهنا، آسف أن أقول أنني قبل أقل من عام ، كنت أصرّ على تقديم ضيافة المنقوشة أول النهار الى زبائني، وتقديم البوظة في آخر النهار، لكن كانت المنقوشة بالجبنة بأقل من خمسة آلاف ليرة فأصبحت اليوم بأربعين ألفا. السياح المصريون يأتون أيضا ليشاركوا بالسياحة داخل لبنان. كانوا يتحدثون عند وصولهم عن فيروز فباتوا يتحدثون وهم يغادرون عن أيام أمضوها لا تنتسى. لبنان جميل جداً».

 

هل هناك أجمل من السفر؟ ألا يقال قصر النظر من قلة السفر؟ الدولة تريد ناسها «بلا نظر». لكن، على ما يبدو، هناك أمور كثيرة تخرج من يدّ «السلطة» فاللبنانيون طالما كانوا أحراراً في خياراتهم وسيبقون. والسياحة والسفر بالنسبة الى كثيرين من بين أجمل الخيارات.