في الـ2017، اتهم مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) أفراداً بأنّهم «عملاء» لحزب الله. واحدٌ من المتهمين، اللبناني – الأميركي علي محمد كوراني، من بلدة ياطر الجنوبية. كوراني من مواليد الـ1984، وقد وُجّهت إليه ثماني تُهم: مُساعدة «تنظيم إرهابي» (حزب الله)، الانضمام إلى صفوف حزب الله، المشاركة في إعداد هجوم إرهابي من خلال مراقبة مواقع عسكرية وأمنية ومطارات في نيويورك، التدريب على استخدام أسلحة ومتفجرات، القيام بتداولات مالية لمصلحة حركة «الجهاد الإسلامي». المعلومات الواردة في نصّ الشكوى، واستند إليها المحقق الفيدرالي لتوجيه التُّهم إلى كوراني، لا يُفترض بها أن تُشكّل أي «قيمة قانونية» يجري الاستناد إليها لتجريم شخصٍ، فهي توحي بأنّ من يوجهها إما «هاوٍ»، وإما أنّه «يختلق» ملفّاً من أجل إلصاق «الجريمة» بالمُتهم.
ما الدليل الأميركي على أنّ كوراني خضع لتدريبات عسكرية لدى حزب الله، قبل سفره إلى الولايات المتحدة عام 2000؟ تمكّنه من تحديد الأسماء والمواصفات لعدد من الأسلحة التي عُرضت صورها عليه («الأخبار»، عدد 13 حزيران 2017). و«الأخطر» في الأدلة التي تمكّن المحقق الفيدرالي من «كشفها»، أنّ كوراني بحث على «الإنترنت» عن وثائقي عُرض على قناة المنار، وعن «تقرير فينوغراد» الإسرائيلي (التقرير الذي أعدته لجنة التحقيق الخاصة التي أوكلت إليها مهمة تقييم حرب تموز). يربط المُحقق الفيدرالي بين بحث كوراني عن التقرير في الـ2008، مُباشرةً بعد «تجنيده» في حركة الجهاد الإسلامي، من قبل الشيخ حسين كوراني. الأخير عالم دين شيعي، من المؤسسين لحزب الله، يزعم الأميركيون أنّه عمل على تجنيد كوراني بسبب إقامة الأخير في الولايات المتحدة.
بعد سجنه في الـ2017، بدأت مُحاكمة كوراني في 6 أيار الماضي، وامتدت على مدى ثمانية أيام. وبحسب مكتب المدعي العام الفيدرالي في مانهاتن، جيفري بيرمان، فإنّ العقوبة التي ستُفرض على الشاب الجنوبي، ستصدر في 27 أيلول المقبل. في السنتين الماضيتين، كان كلّ ما يُنشر عن كوراني مصدره واحد. وقد نشرت وسائل إعلام غربية تقارير عدّة لا تنقل سوى وجهة النظر الأميركية. ونسخَت عنها نظيراتها العربية التي تتأثّر بها. الروايات الأميركية تُشير إلى أنّ كوراني الذي يحمل شهادة في الهندسة البيوميترية ودرجة الماجستير في التجارة، ينتمي إلى «عشيرة تُشبه جماعة بن لادن في لبنان»، وقد حضر مُعسكراً «لتعليم الإرهاب استمر 45 يوماً». والخبرية الثالثة، أنّه قبل التعاون مع وكالة الاستخبارات الأميركية، «ليُشكّل ذلك غطاءً له، ومن أجل استعادة ولديه من زوجته التي تركته».
الوجه الآخر للقصة، تتحدّث عنه عائلة كوراني، ساخرةً من الأدلة المُقدمة ضدّه لإدانته. تبدأ من سفره إلى الولايات المتحدة في الـ2003، «للمّ الشمل مع والده وعدد من أفراد العائلة». منذ الـ2009، وكوراني «يُراقَب، كما قال له المُحققون، وهو كان يتعرّض لمضايقات عدّة». تذكر العائلة كيف كان يخضع لتحقيق طويل، يمتد لأربع أو خمس ساعات، في كلّ مرة يخرج ويدخل فيها إلى الولايات المتحدة».
في 27 أيلول ستصدر العقوبة بحق كوراني، ويُتوقع أن تكون السجن المؤبد
الأدلة التي قُدّمت في قضية كوراني، تؤكد للعائلة أنّ ابنها بريء، ومن بين الأمور التي اتُّهم بها «شراؤه حذاءً عسكرياً لنسيبنا في الجيش اللبناني، قياسه 43. استغله المحققون ليتهموا علي بأنّه يشتري بضاعة عسكرية، ويزور مواقع عسكرية، فردّ بأنّه يلبس أحذية قياس 45». مثالٌ آخر، هو اتهامه بأنّه ساعد المقاومة خلال حرب تموز، «علماً أنّ علي، بعد يومين من اندلاع الحرب، نزح من ياطر إلى صور، ثم سوريا، ومن هناك استقلّ الطائرة إلى لندن، ليعود منها إلى الولايات المتحدة». اتُّهم كوراني أيضاً بمراقبة السفارة الأميركية في بيروت، «لأنّه تصفّح عبر الإنترنت التقارير التي نشرتها جريدة «الأخبار» عن ويكيليكس! فاضطر إلى أن يوضح للمحققين في آخر جلسة له، أنّ «الأخبار» صحيفة لبنانية نشرت التقارير، وليس هو من يبحث عن أخبار السفارة الأميركية. وتقول العائلة إنّ ما ذُكر عن أنّه سافر إلى الصين عام 2009 وزار أهم مصانع نيترات البوتاسيوم، «أمرٌ غير صحيح. حين زار الصين، كان يوجد معرض للمواد الكيميائية، ولكنّه لم يشترِ شيئاً». وتُنكر عائلة كوراني، قبوله العمل لمكتب التحقيقات الفيدرالية، «في إحدى المرات، بينما كانت والدته تزور الولايات المتحدة قبل سجنه، أوقفت على المطار، وقيل لها: هل تعلمين كم دفعنا له، رافضاً أن يتعاون معنا؟».
ولكن لماذا اختيار كوراني هدفاً أميركياً، دون غيره من آلاف اللبنانيين في واشنطن؟ تُجيب عائلته بأنّ «علي أيضاً سأل المُحققين عن ذلك، فكانت الحُجة أنّه من آل كوراني، التي تضم مسؤولين في حزب الله». واحدٌ من أشقاء كوراني، عضو بلدية في ياطر، محسوبٌ على حزب الله، فاستُغل هذا العامل ضدّه. وكانت العملية ضدّ كوراني فاتحةَ التضييق على عائلته في الولايات المتحدة، «فرُفضت شقيقته في الجامعة، وأُبلغ علي بأنّه السبب لرفض طلبها. كذلك لم تُجدَّد أوراق شقيقه الرسمية».
كلّ أسبوعين، يتواصل كوراني مع عائلته، التي زارت وزارة الخارجية والمغتربين من أجل وضع الملفّ بين يدَي الوزير جبران باسيل. «طلب منا أحد الموظفين إرسال كتاب، ليُحولوه إلى السفارة في واشنطن حتى تُتابع الموضوع. وقال لنا إنّ وضع علي صعب، لأنّه سيُحاكم بصفته مواطناً أميركياً». وتُحاول العائلة التواصل مع المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، «علّه يُسهم في إخراج علي، الذي يتردّد أنّه سيُحكم بالمؤبد (السجن 25 عاماً)». تعويل العائلة هو على «استئناف الحُكم، لكن المطلوب ضغط سياسي من الدولة لإنقاذه».