عشيّة وصول وزير الخارجية الأميركية ريكس تيلرسون الى لبنان، تلاقَت كلّ الجهود الرسمية السياسية والديبلوماسية لتحصين الموقف اللبناني ممّا يمكن أن يطرحه، خصوصاً أنّ الزيارة تزامنت مع فتح كمٍّ من الملفات في لبنان والمنطقة دفعة واحدة، والتي كان يمكن تأجيلُها لو لم تفرض الزيارة إعادة نظر واسعة في المواقف. وعليه ما هي التحضيرات وما الذي يتوقّعه لبنان؟
تتعاطى المراجع الحكومية والديبلوماسية والسياسية مع الزيارة المرتقبة لتيلرسون بكثير من الجدّية باعتبارها محطةً طال انتظارها وقد لا تتكرّر في المدى القريب، وسيُبنى عليها الكثير من الخطوات المرتقبة. فمنذ أن عيّن تيلرسون على رأس الدّيبلوماسية الأميركية، عبر أكثر من محطة واستحقاق داخلي وخارجي، انعكست نتائجها سلباً على أدائه وصولاً الى ما يمكن اعتبارُه تهديداً جدّياً لهيبة الولايات المتحدة في أكثر من منطقة نزاع دولية في العالم.
وبحسب تقارير ديبلوماسية واكبت مرحلة التحضير لزيارة تيلرسون، فإنّها ستكون أولى التجارب العملية لتنفيذ الإستراتيجية الجديدة التي رسمها الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الخريف الماضي للمنطقة بعدما طال الجدل حول الكثير من عناوينها.
إذ على رغم الخلافات السابقة التي عصفت بالفريق المعاون لترامب، فقد سجّل زوار واشنطن تقدّماً ملحوظاً في شكل ومضمون العلاقات بين وزارتي الدفاع والخارجية الأميركيّتين ومجلس الأمن القومي، وهو ما كان مستبعَداً في ظلّ الخلافات السابقة بين هذه المواقع العسكرية والديبلوماسية والاستخبارية والتي تلاشت الفوارق في ما بينها تدريجاً وانعطفت الى التنسيق ولا سيما في ملفات سوريا وفلسطين والشرق الأوسط.
وعليه، يضيف الزوار: لم يكن أحدٌ يتصوّر أنّ هناك تفاهماً مبدئياً قد تحقّق بحدّه الأدنى بين أطراف «الترويكا الأميركية الجديدة»، بعدما أكملت سنتها الأولى في البيت الأبيض رغم الهزات الكبيرة التي تسبّب بها قرار الإعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وما آلت اليه المفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية التي أُصيبت بأكثر من نكسة قادت الى النقاش العميق حول حجم الإعتراف الفلسطيني والعربي والغربي بإمكان استمرار واشنطن في لعب دورها «وسيطاً حيادياً» في الأزمة، في ظلّ «تسرّع» ترامب في قراره بشأن الإعتراف بالقدس ونقل السفارة إليها في أسوأ توقيت دولي وإقليمي.
والى الحاجة الماسّة التي فرضتها التوجّهات الجديدة لترامب في الملف الفلسطيني، وحول التطورات العراقية والسورية، فقد فرض الدور الروسي الذي قاد التفاهم الثلاثي مع تركيا وإيران وما حقّقه في الحرب على الإرهاب، «صحوة أميركية» مفاجئة.
وتجلّى ذلك في الدعوة العاجلة التي طلبها البيت الأبيض من مختلف المواقع العسكرية والسياسية الأميركية للتلاقي مجدداً وإنقاذ وجه أميركا المهدّد في المنطقة على وقع الإنتصارات التي حقّقها المحور المعادي لها.
ومن هذه الخلفيات، برز التفاهمُ بين الديبلوماسية الأميركية باعتبار أنّ الجميع باتوا في مركب واحد، ولا بد من اتّخاذ الخطوات العاجلة لاستعادة الدور الأميركي المهدّد في المنطقة والإقدام على خطوات متشدّدة تضع حداً «للطحشة» الروسية – الإيرانية والتركية قبل فوات الأوان، فكان التشدّد في تعزيز الحضور الأميركي على الأرض في سوريا تعويضاً عن الفشل الذي مُنيت به الوحدات الموالية لهم باستثناء القوى الكردية التي حققت ما كلفت به.
على وقع هذه التطورات التي رافقت اكتمال الفريق الديبلوماسي لتليرسون، وذلك المعاون لوزير الدفاع جيمس ماتيس، برزت التحضيرات اللبنانية لهذه الزيارة، وقد فاجأها الطرح الإسرائيلي على الحدود البرّية وفي البحر، فرسمت الخطوط العريضة للموقف اللبناني الموحَّد من كل هذه التطورات.
على هذه الأسس، أصرّ اللقاء الثلاثي الذي عقد أمس في بعبدا على الموقف اللبناني الموحّد والمتشدّد في البر والبحر، من دون الفصل بين الملفّين، وهو ما سيبلغه لبنان صراحة الى تيلرسون الذي سيصل بيروت ومعه نائبه دايفيد ساترفيلد الذي سينضمّ الى الوفد قبل وصوله الى بيروت لتنسيق المواقف وجوجلة نتائج «المهمة الصعبة» التي قام بها في بيروت وقراءة ردات الفعل اللبنانية والإسرائيلية المتناقضة.
وعليه، بات الموقف اللبناني مكتملاً بكلّ عناصره العسكرية والديبلوماسية والإقتصادية وسيشكّل قياساً على حجم ما تسرّب من لقاء بعبدا مادة توافق غير مسبوق.
وفي علم العارفين أنّ الوفد الأميركي لن يُفاجَأ بالموقف اللبناني الموحّد لأنّ ما تبلّغه ساترفيلد قبل تيلرسون كافٍ لتأكيد إصرار لبنان على الثوابت، وملخّصها: لا جدارَ إسرائيلياً في النقاط المتنازَع عليها قبل ترسيمها نهائياً، وأيّ خرق لها سيشكّل حرباً جديدة في المنطقة بين الجيشين. ولا تعديلات على حدود البلوكات النفطية اللبنانية 8 و9 و10 في الجنوب طالما أنّ الإسرائيليين مصرّون على مواقفهم وادّعاءاتهم الباطلة بملكية محدّدة في المياه الإقليمية اللبنانية الخالصة.
ويقول العارفون إنّه وفي حال جدّد تيلرسون مقترحات ساترفيلد بتبنّي مقترحات سلفه الموفد الأميركي السابق فريدريك هوف الذي اقترح حلّاً يستعيد من خلاله لبنان 65 في المئة من مساحة الـ 860 كلم 2 التي تدّعي اسرائيل ملكيّتها الكاملة، مقابل ترك 35 في المئة منها للدولة العبرية، فإنّ لبنان ورغم التشدّد في حفاظه على الثوابت لن يقفل باب الحوار عبر الأمم المتحدة أو الولايات المتحدة كوسيطين مقبولين.
ولا بدّ من الإشارة الى أنّ زيارة تيلرسون ستفتح حواراً جديداً بين «ترويكا أميركية» ممثلة بوزير الخارجية، و»ترويكا لبنانية» ومحلّية لفترة تمتد حتى 22 الجاري موعد العودة الى إجتماعات اللجنة الثلاثية في الناقورة لاستكمال البحث في ملفَّي البرّ والبحر.