IMLebanon

مظلة لبنانية فوق التباينات السياسية والخلافات

 

الإنتخابات النيابية مطلوبة بنزاهة وموضوعية

وتصميم عام على مقاومة التوطين المقنع

كان رجل المفاجآت، يود دائماً أن يكون رجل التاريخ. ظهر يوم الجمعة الماضي، قرر مغادرة القصر الجمهوري، وتوجه الى قصر بسترس حيث كان صهره وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل. لم تكن المناسبة، زيارة الرئيس للصهر الوزير باسيل ليست عائلية بل زيارة رئيس جمهورية لتكريس وتخليد العمل الأول في التاريخ، لممارسة الإنتشار اللبناني حقوقه في الإنتخاب التاريخي للبرلمان الأول في لبنان، بين شطريه الداخلي والخارجي، في عهد القائد اللبناني الأول.

وقف رئيس الجمهورية على المعلومات الآتية من بعض دول الإغتراب وبعض العواصم العربية، وعاد من ثم الى بعبدا. وفي الوقت نفسه، حاول العالم الأميركي والأوروبي، التعبير عن تقديره للبنان، في خطوة مريبة عن طريق المساهمة الملتوية او الغامضة، لحل مشكلة النزوح السوري الى لبنان، عبر مساعدات مالية، تقررت في بروكسيل العاصمة الأوروبية لمجموعة دول تلتئم فيها.

الا ان رئيس الجمهورية رفض مبادرة غامضة مشوبة بملابسات غامضة الأهداف والمغازي. وورفضها ايضاً رئيس البرلمان نبيه بري باسمه وباسم زملائه النواب، وعاد من بروكسيل رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، على غير اقتناع بها. فقد سافر الى بروكسيل بعد روما، وبعد مؤتمر باريس لدعم المؤسسة العسكرية، وتقديم الدعم المادي لجهود لبنان الرامية الى الإنهيار المالي المتربص به.

 

شيء واحد لم يفهمه العالم بعد، الا وهو ان لبنان بلد صغير، محدود الإمكانات، لكنه كبير في طموحات رجالاته، ونيّات قادته في استرداد ما خسره من طاقات ابان خمسين عاماً من الحروب على أرضه، قد تكون قطعّت أوصاله، لكنها لم تقطّع ارادة الصمود عند ابنائه.

كان الرئيس العماد ميشال عون يقول، قبل اعتلائه رئاسة الجمهورية. انه ليس خائفاً على وحدة شعبه لأنه مؤمن به، وبحسن قيادته لاوضاعه الصعبة، بيد أنه ليس صعباً على شعبه التوحد يوم تعصف فيه المحن أو تنتابه الكوارث والمشاكل. لان اللبنانيين في رأيه يعرفون كيف يختلفون، ويعرفون أيضاً كيف يلتحمون ويتفقون على انقاذ وطنهم.

وعندما قررت الدول الغربية بزعامة الولايات المتحدة الأميركية، اغراء لبنان بالأموال لتوطين النازحين السوريين في أراضيه، وقف رؤساؤه جميعاً، وقفة واحدة للتاريخ، وقالوا للعالم ان اللبنانيين عرفوا كيف يستقبلون اخوانهم السوريين الهاربين من جحيم الحرب، ويعرفون كيف ينبغي لهذا الشعب أن يعود الى وطنه، كما حدث قبل أسبوع، عندما عاد المئات منهم من مدينة شبعا البقاعية الى الأرض السورية المتعطشة الى مواطنيها.

طبعاً، في لبنان شعب، له ارادته، وعنده اخطاء كما عنده حسنات، فقد هبّ دفعة واحدة، ومن دون أي تنسبق أو اتفاق كيف يرد الأموال الدولية قبل ان تصل اليه، وكيف يكون الموقف واحداً في المواقع الصعبة، انها الوحدة في التنوع. وهذه الوحدة جعلت الحرب طوال نصف قرن على أراضيه، تتوقف، عند الخط الفاصل بين المنطقتين الشرقية والغربية، من دون أن تتقدم خطوة واحدة، عند حدود المتحف، الذي أصبح متحفاً خالدا لوحدة اللبنانيين، من معظم الطوائف ومن مختلف المذاهب.

في العام ١٩٨٣ تجددت الحرب بين الشرقية والغربية، وبعد سنوات سقطت بيروت في وهاد الإقتتال بين الطوائف. يومئذٍ كان وزير الإعلام روجيه شيخاني يزور مع قرينته المنطقة الواقعة في شارع الحمراء، ووقعا معاً في حرب القطيعة بين عهد الرئيس أمين الجميل، صاحب الدولة، وبين عهد نبيه بري ووليد جنبلاط القابض على العاصمة الممزقة اشلاء ومناطق.

في تلك اللحظات الدقيقة، اتصل الوزير شيخاني بالاستاذ نبيه بري وابلغه ان موظفي وزارة الإعلام المسيحيين، لجأوا الى منزل الاستاذ ريمون اده، تجاه وزارة الإعلام، وهو موجود في باريس.

في لحظات استطاع قيصر الزعيم اللبناني الموجود في العاصمة الفرنسية، استقبال العشرات من الموظفين، وقام الرئيس نبيه بري، بوقف سريع لاطلاق النار، بالإتفاق مع الاستاذ وليد جنبلاط، وجرى تأمين انتقال سالم للموظفين الى مناطقهم.

في العام ١٩٦٣، كان يقام في بغداد احتفال كبير للسفراء العرب والأجانب، لسماع خطاب سيلقيه رئيس الجمهورية العراقية، بعد مرور أربع سنوات على سقوط عاصمة الرشيد في انقلاب عسكري قاده العقيدان عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف.

يومئذ، كانت زعامة البكباشي جمال عبد الناصر تجتاح العالم العربي مع مجموعة من الضباط الأحرار. وكان وزير لبناني يجلس في الصف الأول الى جانب سفير دهمه الشيب. وعندما اطل الرئيس العراقي أحمد حسن البكر، بادر الوزير اللبناني السفير الجالس الى جانبه، وقدم نفسه اليه، ورد سعادة السفير بانه هو أيضاً لبناني من بلدة كوسبا الكورانية واسمه فريد حبيب، و هو طبعاً غير النائب الراحل من بلدته فريد حبب، وطلب منه ان يسعى للقاء يجمعه برئيس الجمهورية العراقية. في اليوم الثاني استطاع سعادة السفير تأمين اللقاء مع الرئيس العراقي في قاعدة الشبانية.

بادره الرئىس العراقي، بانه لا يستقبل عادة أحداً لكن للسفير الكبير فريد حبيب والد الأمين العام السابق وليم لوزارة الخارجية اللبنانية، تاريخه المجيد، وراح يكرر أمام السفير والوزير عبارة واحدة مراراً، لا تسمحوا لأحد ان يُفرط بوحدتكم في الداخل، لأن العراق، لم يستطع الإنقلاب على عصر الوصي على العرش عبد الاله، ويقضي على حكم نوري السعيد عندما توحد العسكر والشعب بقيادة العقيدين عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف.

في الأيام الأخيرة، استطاع النائب سامي الجميل مع تسعة نواب آخرين، تأمين طعن بالمادة ٤٩ من الموازنة العامة للبلاد، الى المجلس الدستوري الذي قرر تجميد المادة إلى حين.

وعند وصول قرار المجلس الدستوري، قال العماد عون ان في لبنان شروطا سياسية اسمها الدستور. ونحن في لبنان ثلاثة في مواقع المسؤولية، وعندما يحترم رئىس الجمهورية رئىس المجلس النيابي، ويفعل هذا الأخير الأسلوب نفسه، ويعود رئيس مجلس الوزراء بالذهنية نفسها، فان لبنان القوي يظل قوياً. وأردف: أنا رئىس جمهورية لبنان، وغداً يرئس رئيس مجلس النواب كتلة نيابية بعد الإنتخاب، وكذلك يفعل رئىس الحكومة، فهذه نعمة يحسدنا عليها الجميع، أنا لست متفقاً مع الرئيس نبيه بري، ولا مع دولة رئيس الحكومة على كل شيء، لكننا متفقون على شيء واحد: هو احترامنا لبعضنا، واحترام كل موقع لسلطات الموقع الاخر، ولكل منا رأيه وموقفه. وهنا تكمن قوة لبنان، انها التعددية في المواقف، والتوافق والاتفاق على الدستور واحترام القانون.

في الأسبوع المقبل، تجري الإنتخابات النيابية للمرة الاولى على قانون جديد للإنتخابات، يصفه الكثيرون بانه أسوأ قانون انتخابي عرفه التاريخ الحديث.

بعضهم يقول انه مجموعة قوانين في قانون واحد، يجمع بين النظام الأكثري والقانون النسبي والمشروع الأرثوذكسي ولا أحد يعرف كيف ستسير فيه الأمور بين الصوت التفضيلي الذي سيقرر مصير الإنتخابات فوزاً وخسارة، وبين الحاصل الإنتخابي الذي سيحدد من سيخرج من المنافسة الإنتخابية، ومن سيبقى.

وبعضهم يقول ان الصوت التفضيلي الواحد في القانون سيكون مصيبة هائلة على الشعب اللبناني كما ان الحاصل الإنتخابي هو الذي سيكون الفاصل بين المرشحين في القائمة الواحدة.

وفي اعتقاد الكثيرين ان القانون الانتخابي الجديد سيجعل المنافسة على أصوات الناخبين بين أعضاء اللائحة الإنتخابية الواحدة لا بين المتنافسين في اللوائح الأخرى.

ويقول مرجع سياسي ان على اللبنانيين أن يجربوه، وان يكتشفوا بالممارسة والتجربة عيوبه، لأن النتيجة الأولى لهذا القانون هي وجود حزب أو كتلة أو تجمع سياسي في معركة واحدة، مع نفسه ومع أصدقائه.

وهذا يعتبر فضيحة سياسية، لا يستهان بها في معارك بعيدة وقريبة في آن.

ويقول الرئيس حسين الحسيني انه انسحب من الإنتخابات، لأنه رفض أن يخوض غمارها، وهو، أي القانون، جرد الإنتخابات من قواعدها الديمقراطية التي هي أساس النظام البرلماني في معظم البلدان.

ويعتقد الرئىس الحسيني ان الاسراع في تعديل القانون الجديد، يبقى أن يكون في مقدمة ما هو مطلوب من النظام الإنتخابي الحديث الذي ليس فيه شيء من الحداثة.