استنفر توجّه رئاسة الجامعة اللبنانية إلى العودة الحضورية في العام الدراسي المقبل، بلا أيّ مخطط واضح، الأساتذة الذين وجدوا في الدعوة لتحضير الأنصبة من دون مقوّمات لدعم العودة، تهديداً مبطناً وتخييرهم بين العمل بالسخرة أو الاستقالة
أحدث الإعلان عن توجّه الجامعة اللبنانية إلى العودة الحضورية إلى الكليات والفروع، ابتداءً من العام الدراسي المقبل، ضجة كبيرة في صفوف الأساتذة على وجه الخصوص، ليس لسبب سوى لأن الصورة ضبابية، وليس معروفاً فعلاً ما هي الإجراءات والحلول التي ستؤمن عودة «مدروسة»، كما سمتها رئاسة الجامعة. في هذا الوقت، يجهد رئيس الجامعة، بسام بدران، لتعبيد طريق العودة تارة بإطلاق المشاورات مع الهيئات الأكاديمية والنقابية داخل الجامعة، وطوراً بمحاولة استجلاب المساعدات المالية، عبر البنك الدولي، من جهات مانحة دولية وعربية، وانتزاع الأموال المستحقة من فحوص الـ PCR، العالقة حالياً لدى المدعي العام المالي القاضي علي إبراهيم. وفي مساعيه، ينطلق الرئيس من أن أسباب التحوّل إلى التعليم عن بُعد انتفت، فلا قراراً رسمياً بالتعبئة العامة نتيجة كورونا، والحياة عادت إلى طبيعتها في كل الجامعات والمدارس. وقد نقلت مصادر أكاديمية عن بدران قوله إنه سيصار إلى تطبيق حازم لنظام التفرّغ وأن الجامعة لن تغطي أي أستاذ مسافر، وأن رفع رسوم تسجيل الطلاب إلى مليون ونصف مليون ليرة في مرحلة الإجازة سيكون خياراً مطروحاً في حال وصلت المساعي إلى حائط مسدود. إلا أنّ المصادر أشارت إلى أن المكاتب التربوية الحزبية التي غطّت الأساتذة المسافرين في المرحلة السابقة أخذت قراراً برفع الغطاء عنهم، على ما يبدو. وفي حين نبّهت المصادر إلى أن حديث الرئاسة عن «التضخم» في أعداد الأساتذة في الفروع والشعب سوف يؤدي إلى إلغاء عقود عدد منهم. وجد آخرون في تدبير العودة الحضورية مناسبة لفتح باب التعاقد.
أهل الجامعة يدركون بأن الخطوة ستكون محفوفة بالتحديات، وبأن التنفيذ لا يمكن أن يحصل بكبسة زر، وإن بدا التوجه مركزياً، جدياً ومحسوماً، لا سيما بعد الطلب من الأساتذة، عبر التسلسل الإداري، من الرئاسة إلى العمداء مروراً بمديري الفروع ورؤساء الأقسام، حسم خياراتهم تجاه الجامعة وتحضير الأنصبة (عدد الساعات التعليمية لكلّ أستاذ) على أساس التعليم الحضوري ومن ثم مراجعة المسؤولين الأكاديميين المباشرين، إذا رغبوا في تعديل أوضاعهم الوظيفية. للوهلة الأولى، لم يأخذ بعض الأساتذة التوجه على محمل الجد، ووضعوه في إطار «البروباغندا» وجسّ النبض لإحصاء الأساتذة المهاجرين الذين غادروا الجامعة.
بين العزوف والتجربة
بعض الأساتذة في بعض الكليات لم يتجاوبوا مع طلب ملء الاستمارة المتعلقة بالأنصبة، وتريّثوا في الموافقة على الحضور. يقولون إن هناك شبه استحالة لأي عودة وسط هذه الظروف، خصوصاً أن التوجه لم يأتِ مصحوباً باقتراحات عملية لدعم صمود الأساتذة من تصحيح الأجور ورفع بدل النقل. وعبّرت بعض مجموعات الأساتذة على مواقع التواصل الاجتماعي عن غضبها من القرار الذي يضعهم بين خيارين لا ثالث لهما «إما التعليم بالسخرة أو الاستقالة!». منهم من وصف الخطوة بأنها على طريق التدمير الممنهج للجامعة تمهيداً لخصخصتها وإقفال معظم فروعها، في حين رأى آخرون أن التجربة ستكون أكبر برهان ولا مانع لديهم في اختبار ما إذا كانت الجامعة ستقلع فعلاً، لا سيما بعد فشل التعليم «أونلاين»، وبعدما أعدمت كل وسائل المواجهة، وآخرها التوقف القسري، في حماية الجامعة وأساتذتها، و«لقطع الطريق أمام من تسوّل له نفسه الاصطياد في الماء العكر»، على ما قال أحد رؤساء الأقسام في كلية العلوم، بالنظر إلى التلويح الدائم للبنك الدولي والجهات المانحة بأن الحضور إلى الصفوف شرط أساسي لإعطاء أي مساعدة أو منحة اجتماعية للأساتذة، تماماً كما حصل مع أساتذة التعليم الرسمي. وأضاف: «لو كان التوقف القسري حقيقياً ولم يُخرق لكنا حصّلنا حقوقنا، لكن أما وأن الوضع كان على هذا النحو، فإننا نواجه حالياً تحدي المستوى ونوعية التعليم وعلينا إقامة التوازن بين الحاجة إلى العودة الحضورية وبين الخسائر المترتبة عليها».
ومن التحديات، ما يتعلّق بالطلاب أيضاً، فهل يستطيعون بهذه السهولة الوصول إلى كلياتهم؟ وهل بإمكان إدارة الجامعة تشغيل المباني والمجمعات ساعات طويلة وصيانتها، وهل ستنجح أصلاً في تنظيم المناقصات اللازمة للقيام بهذه المهمة؟
القرار محفوف بالتحديات
عميد كلية الهندسة، رفيق يونس، رأى أنّ العودة ممكنة وضرورية لكنها مرهونة بتوفير الموارد المالية والحلول التقنية. القرار محفوف بالتحديات، كما قال، فالأزمة ليست جديدة وقد بدأت بسبب كورونا في العام الدراسي 2019 ـ 2020، لكنها استمرت بسبب الوضع الاقتصادي في لبنان.
وتحدث عن عوائق تحول دون التمكن من تنفيذ قرار العودة إلى التعليم الحضوري رغم أن المشكلات قد تختلف بين كلية وأخرى وفرع وآخر في الجامعة.ولفت إلى أن بعض الأساتذة غير متجاوبين مع الدعوة إلى العودة، فمنهم من رتب أموره خارج لبنان، وآخرون اختاروا التدريس في جامعات خاصة وكيّفوا أمورهم على هذا الأساس، وإن كانت المشكلة الأبرز التي ستواجه الكليات هي تأمين وصول الأساتذة المتعاقدين الذين يُراوح مدخولهم السنوي بين 1000 و1500 دولار، وهو مبلغ لن يكفيهم لشراء البنزين والانتقال من وإلى كلياتهم، «ومن المشكلات أيضاً الحاجة إلى توفير المال اللازم لتشغيل مولّدات الكهرباء معظم الوقت في ظل الانقطاع شبه الدائم لكهرباء الدولة، ويمكن إضافة مشكلة أخيرة تتمثل حالياً بعدم وجود شركات لتشغيل بعض المجمعات وصيانتها مثل مجمع طرابلس واحتمال تكرار هذا الإشكال مستقبلاً في مجمعات أخرى».
رفع رسوم التسجيل سيكون آخر الخيارات المطروحة للعودة
ولفت يونس إلى أنه يجري التفكير في بعض الحلول مثل جمع أنصبة أساتذة التفرغ والملاك بيومين فقط في الأسبوع وأساتذة التدريب المهني في يوم واحد واعتماد التعليم أونلاين للأساتذة المتعاقدين. لكن الأهم أيضاً هو اعتماد التعليم المدمج لتقسيم الوقت بين الحضوري و«أونلاين» لأن قسماً كبيراً من الطلاب لن يتمكن من الالتزام بالحضور اليومي للجامعة. وعن إمكان أن يؤدي مثل هذا القرار إلى خسارة الجامعة للكفاءات، رأى أن هذه الخسارة واقعة لا محالة، والإشكال ليس هنا، بقدر ما يكمن في تأمين البدلاء القادرين على التعايش مع الإمكانات المالية الحالية للجامعة، والحاجة إلى شعور الأساتذة الجدد بالانتماء إليها، وعدم تركها عند أقرب فرصة. يونس أكد أن استمرار الجامعة يعود إلى الأساتذة والموظفين الذين يبذلون جهوداً كبيرة ويؤيد تطبيق العودة إلى التعليم الحضوري مع ضرورة اعتماد الدمج بين التعليمين لأنه الخيار الأفضل للجامعة والأساتذة والطلاب في المرحلة الحالية، على أن تختار الكليات والفروع عدد الأيام التي تناسبها.
بدران: العودة مدروسة
يوضح رئيس الجامعة اللبنانية بسام بدران في اتصال مع «الأخبار» أنّ التوجه العام للعودة إلى الصفوف هو خطوة طبيعية بعد فتح البلد، واعتماد التعليم الحضوري في كلّ الجامعات والمدارس، والدعوة إلى تحضير الأنصبة هو أمر بديهي لتحديد الحاجات، محذّراً من أن «استمرار التعليم عن بُعد لعام إضافي سوف يضرب المستوى ونوعية التعليم، ومن هنا سعينا إلى توفير كل المستلزمات لعودة حضورية مدروسة، إن على صعيد توفير الدعم للكادر التعليمي والإداري من خلال المفاوضات المستمرة مع وزارة التربية والبنك الدولي من جهة، أو تأمين المصاريف التشغيلية للكليات والفروع، كما ندرس بعض الخيارات مثل جمع أيام التعليم في ثلاثة أيام ونقل أنصبة الأساتذة إلى الكليات الأقرب من أماكن سكنهم، وسنضع الخطط التي تحقق الهدف المنشود».
هل سيكون رفع رسوم التسجيل من الخيارات المطروحة للعودة؟ يجيب: «ندرك تماماً بأن الطالب موجوع، ولا يمكن تحميله أي أعباء إضافية، لذا لن نقترب من هذا الخيار إلا إذا أقفلت كل السبل في وجهنا وامتنعت الجهات المانحة عن تقديم المساعدات». بدران يرى أن «تسرّب» الأساتذة، إن عبر الهجرة إلى الخارج أو مغادرة الجامعة إلى جامعات أخرى، «لا يجب أن يثنينا عن إنجاح خيار التعليم الحضوري الذي يحافظ على المستوى ويحمي حقوق الطلاب».
لكن دون نقل الأنصبة تحديات كثيرة وصعوبات لوجستية، بحسب مصادر الأساتذة، ومن شأن هذه الخطوة أن تفرّغ فرعاً كاملاً من طاقاته، باعتبار أن هناك بين 20 و 30 في المئة من الأساتذة يقطنون في أماكن بعيدة عن مناطق السكن، وهي نسبة يشكك بدران في أن تكون دقيقة: «لن نذهب إلى انتحار جماعي، ولن نسمح لأحد بإقفال الجامعة وسنفرض على الدولة رفع مساهمتها فيها إلى 600 مليار ليرة، استناداً إلى ما رفعته في بند المصاريف التشغيلية في باقي القطاعات».