1600 إسم مقترَح أغلبهم من الشيعة… والحاجة إلى أقلّ من 800 أستاذ
يحلّ ملفّ تفرُّغ الأساتذة في الجامعة اللبنانية ليُشكّل فصلاً جديداً من سيناريو (واقعي للبعض، ومتخيَّل للبعض الآخر) يُرهب كثيرين: «التمدّد الشيعي» داخل المؤسسات العامّة. لا بل في بلد المخاوف المُتبادَلة، هناك من يذهب حدّ التخوّف من محاولة وضع اليد على الجامعة. وسط أجواء من السرية «المُستغرَبة»، قام رئيس الجامعة، الدكتور بسّام بدران، بتحويل الملفّ إلى وزير التربية في حكومة تصريف الأعمال، الدكتور عباس الحلبي. وهو مضخّم ولا يؤمّن الحدّ الأدنى من التوازن الطائفي، بحسب المتابعين. فهل نكون أمام جولة تَصدّ من أطراف سياسية – طائفية متضرّرة من «تمريقة» ما معلّبة؟
هو اتّصال بين رئيس الحكومة ورئيس الجامعة أواسط الشهر الماضي أعاد تحريك ملفّ تفرُّغ الأساتذة المتعاقدين. فمنذ نشأة الجامعة، دأبت إداراتها المتعاقبة على إرسال مشاريع مراسيم إلى مجلس الوزراء كي يتمّ إدخال المتعاقدين بالتفرّغ إلى ملاك الجامعة التعليمي. لكن لِمَ التكتّم عن الأسماء المرشَّحة للتفرّغ هذه المرّة، وماذا عن التسريبات التي تشي بأن عدد الأساتذة المقترَحين هو 1600 بينما لا تزيد حاجة الجامعة الفعلية عن 800 أستاذ؟ وماذا عن تأكيد مصادر متابعة أن غالبية الأسماء تنتمي إلى الطائفة الشيعية، ما أدّى إلى «استنفار» الأحزاب المسيحية والسنّية؟ على أي حال، يبقى الملفّ على طاولة وزير التربية بانتظار تحويله إلى مجلس الوزراء، في ظلّ تطمينات بإعادة العمل عليه لتأمين التوازن الطائفي و»تشحيل» بعض الأسماء. في المقابل، من سيُذلّل عقبات الملفّ المالية التي لا تقلّ وطأة عن تلك الطائفية؟ وكيف سيتمّ تأمين رواتب المتفرّغين الجُدد ورفْع موازنة صندوق التعاضد والتغطية الصحية لهؤلاء؟ أياً يكن، السؤال الرئيس يتمحور حول نقطتين: قبول الطائفة الشيعية باستثناء عدد من الأساتذة من أبنائها تأميناً لتوزيع طائفي عادل؛ واحتمال أن تأتي التضحية، كالعادة، على حساب الملفّ والجامعة اللبنانية بأكملها.
«حاجات» أم محسوبيات؟
محطّتنا الأولى مع النائب الدكتور بلال الحشيمي الذي زار الأسبوع الماضي وزير التربية برفقة النائب فؤاد مخزومي. ففي حديث لـ»نداء الوطن»، أشار إلى أن الهدف من الزيارة كان التأكّد من صحّة بعض التسريبات التي تحوم حول الملفّ لا سيّما وأنه لم يجرِ عرضه على أي من الجهات السياسية قبل رفعه إلى الوزير. نسأل عن تفسير تفرُّد الرئيس بدران بالقرار، فيجيب: «بعد أن انحلّ مجلس الجامعة اللبنانية، أصبحت الأمور مرتبطة حصراً برئيسها ووزير التربية، لكنه جوّ غير صحيّ في ظلّ غياب النقاشات التي كان يوفّرها المجلس. صحيح أن الرئيس بدران درس الملفّ مع بعض مستشاريه ودعا بعض العمداء للوقوف عند رأيهم، غير أنه استبعد رابطة الأساتذة وممثّلي الأقسام والفروع، وهذا أمر مرفوض».
المشكلة، بحسب الحشيمي، تشمل نقاطاً عدّة، أبرزها: التوازن الطائفي، حيث شدّد على أنه من غير المقبول اعتبار رئيس الجامعة نفسه غير معنيّ بتأمينه؛ ورمي الكرة في ملعب وزير التربية ومجلس الوزراء. «هذا سبب كافٍ لعدم إقرار الملفّ. ونحن نعلم أنه، في العام 2014، لم يتمّ تفريغ كثيرين من الأساتذة لمجرّد أنهم لا ينتمون إلى أي جهة سياسية رغم مكانتهم التعليمية المشهود لها. أما مفهوم إدخال أسماء جديدة بحجّة «الحاجات»، والذي يحدّثوننا عنه في كل مناسبة، فبتنا لا نميّزه عن مفهوم المحسوبيات». وتساءل الحشيمي ما اذا توافرت معايير واضحة اعتُمدت لاختيار الأسماء أم أن الملفّ بُني على الاستنسابية، مصرّاً على أن تكون الأولوية للموظّف في مواجهة أي اسم جديد يتمّ طرحه للتفرّغ.
«الجامعة بأمسّ الحاجة لإقرار ملفّ التفرّغ، لكن بأي حقّ يكون للطائفة الشيعية 800 أستاذ متفرّغ، وللمسيحيّين 550 أستاذاً، وللسنّة 450 والدروز 45؟ وبأي منطق تَفرَّغ 1237 أستاذاً في العام 2014 حين كان عدد التلامذة 85 ألف طالب، وهم يتكلّمون اليوم عن حوالى 1800 أستاذ بعد أن تدنّى عدد الطلاب إلى 60 ألفاً فقط؟ ثم ان قسماً كبيراً من الأساتذة المطروحة أسماؤهم أصبحوا خارج لبنان وسبق وأعربوا أمام زملائهم عن عدم رغبتهم بالعودة»، وفق الحشيمي الذي ناشد بتوحيد جهود كافة الأطراف لعدم تمرير الملفّ قبل الاطلاع على ثغراته ومعالجتها.
السحر ينقلب على الساحر
جولتنا أكملناها لاستطلاع آراء جهات مسيحية معنيّة بالملفّ. فقد لفتت بعض المصادر إلى خلل مسيحي – مسلم، من جهة، وآخر سنّي – شيعي، من جهة أخرى. ويعود السبب إلى أن الجامعة اللبنانية أصبحت تضمّ أعداداً كبيرة من أبناء الطائفة الشيعية، طلاباً وأساتذة. فهل هذا يعني أن هؤلاء ينكبّون أكثر من غيرهم على التعلّم والتعليم؟. «طبعاً لا… فالتفسير المنطقي الوحيد لما آلت إليه الأمور هو التسهيلات التي يحصلون عليها للدخول إلى الجامعة». وتساءلت المصادر إن كان القيّمون على إدارة الجامعة والذين هُم في موقع المسؤولية قد حاولوا تفسير أسباب هذا الخلل لمعالجتها. إذ من المستغرَب أن تهيمن فئة معيّنة على فئات أخرى داخل أي مؤسسة علمية – تربوية عامة. المفروض، بالأساس، إعادة مراجعة الأسباب التي أدّت إلى انكفاء غير الشيعة عن الجامعة اللبنانية تزامناً مع «تدفُّق» شيعي لدخولها. «ولمن يحاول التبرير قائلاً بأن للآخرين جامعاتهم الخاصة، نذكّر أيضاً بأن ثمة جامعات إسلامية (كجامعة المعارف، الجامعة الإسلامية وجامعة فينيسيا) التي أصبحت شيعية صرفة، أساتذة وطلاباً».
المشكلة إذاً، بحسب المصادر، هي في عقود التدريس التي يبتّ بها رئيس الجامعة منفرداً، والتي تُوقَّع بينه وبين صاحب الطلب (أي الأستاذ) حصراً. وما وجود هذه الأعداد من الأساتذة الشيعة سوى نتيجة مباشرة لتسهيل دخولهم. «اليوم «بجّت» المشكلة في ملفّ التفرّغ. فإذا كان المطلوب تقديم ملفّ متوازن طائفياً، فهذا يعني أن قسماً كبيراً من الأساتذة الشيعة سيبقون خارجاً. علماً أنه، بحسب ما أعلن رئيس الحكومة ووزير التربية، من الصعب تمرير الملفّ إلا بالحدّ الأدنى من التوازن، أي أقلّه 55% للمسلمين مقابل 45% للمسيحيين. وهنا نتكلّم عن فارق 10% وهي نسبة ليست ببسيطة».
فلنفترض، مثلاً، أن عدد الأساتذة الشيعة المتفرّغين هو 800، والسنّة 150، وأن عدد الأساتذة المطلوب هو 1100. ولنفترض أيضاً أن ملفّ التفرّغ سيُقرّ على أساس نصفي: أي 550 أستاذاً مسيحياً ومثلهم من المسلمين (400 شيعي و150 سنّي). فمن يتحمّل مسؤولية أن يستثني ملفّ التفرّغ 400 أستاذ شيعي؟ أوساط شيعية متابعة ترى أنه من غير العادل ألّا يتمّ تفريغ أستاذ أمضى سنوات طويلة من عمره في الجامعة وأن يُؤتى بأساتذة من الخارج من أجل تأمين التوازن الطائفي. بالطبع قد يكون هذا الرأي محقّاً، لكن أما كان يجب اعتماد السياسة العادلة ذاتها في ملفّات قبول الدخول إلى الجامعة بطريقة تحفظ هي الأخرى التوازن الطائفي؟
إلى مجلس الجامعة درّ…
المعضلة شائكة كما يعتقد أكثر من متابع. مصادر أكاديمية مطّلعة على الملفّ ذكّرت في حديث لـ»نداء الوطن» بأن الوزير الياس بو صعب قام في العام 2014 بطرح أسماء أساتذة من خارج الجامعة تأميناً للتوازن الطائفي ومنعاً لأي خلل مشابه لما يحصل اليوم. وفي الواقع، فإنّ مجلس الوزراء يجيز ذلك. كما أن اعتماد المعايير الأكاديمية البحتة (كما يطالب الأساتذة الشيعة) لا يخدم مصلحة الجامعة وسيزيد من ظاهرة الفئوية داخلها. «حتى في أرقى جامعات العالم، يجري اللجوء إلى معايير أكاديمية وأخرى خاصة بكل منطقة للحفاظ على الحد الأدنى من التوازن. فالجامعة يحقّ لها أن تتعاقد بالتفرّغ مع أي شخص تراه مناسباً حتى لو من خارجها، وليس تفرُّغ أي أستاذ داخل الجامعة معياراً ملزماً».
وتلفت المصادر إلى أنه من غير المسموح أن تصبح الجامعة مؤسسة فئوية لأنها جامعة كلّ الوطن. فعلى العكس، يتعيّن على الجميع العمل بجدّية لحلّ المشكلة الطائفية وتأمين التوازن. «لم تكن مساعي القيّمين على الطائفة الشيعية ذكية، فقد فرحوا لتسهيل دخول أعداد كبيرة من أبناء طائفتهم وحصدوا الثمار على المدى القصير. أما اليوم، فقد طفقوا يحصدون ثمار فعلتهم التي أساءت إليهم، أولاً، وإلى الجامعة على المدى البعيد، ثانياً. وها هُم يتخبّطون لإيجاد تخريجة مقنعة تُدخل كافة أساتذتهم في ملفّ التفرّغ. «المشكلة حالياً محصورة بالطائفة الشيعية، لذا نرى المعنيّين من قِبَلهم يطالبون بإعادة ملفّ التفرّغ إلى مجلس الجامعة، كما كان في عهد الرئيس أسعد دياب قبل أن يوضع في عهدة مجلس الوزراء. عندها «تخبزوا بالأفراح» لأن من يقوم بتوقيع عقد تدريس بالساعة مع رئيس الجامعة لن يتوانى عن توقيع عقد تفرُّغ بالطريقة التي تحلو للجهة المهيمنة».
إحدى المنارات… الصامدة
نسجّل أخيراً ما سمعناه خلال جولتنا من تساؤلات إضافية. لماذا هذه الأعداد المضخّمة من الأساتذة الشيعة في طيّات الملفّ؟ ولِمَ التسهيلات التي يحظون بها؟ ثم لماذا، من بين 64 فرعاً للجامعة على امتداد لبنان، يُلاحَظ أنه حيث يكون المدير من الطائفة الشيعية تكون غالبية المتعاقدين من الأساتذة الشيعة أيضاً (50 دكتوراً شيعياً، 2 سني، 1 مسيحي و1 درزي، كأحد الأمثلة). الأرقام المعروضة توضّح الصورة. ليس في الأمر تقليل من كفاءة الأساتذة الشيعة أو نفي لأحقيّة من يستحق. لكن الأمل، كما ينهي المتابعون، أن تحذو الجامعة حذو الجامعات العريقة وتراعي المعايير المتعلّقة بالتوازن الاجتماعي، قبل الطائفي. فكإحدى المنارات الصامدة، تبقى الجامعة اللبنانية أكبر من أن تكون لفئة أو طائفة أو مذهب، كائناً من كانت أو كان.