السنوات التي مرت على تأسيس الجامعة اللبنانية جعلتها جامعة تاريخية، وإن كانت أحوالها راهناً ليست على ما يرام. في عصرها الذهبي طبعت بصمات في تاريخ لبنان، وواكب أهلها كل مراحل الكيان والدولة منذ انطلاقتها عام 1951، لذا أصبحت جزءاً من البلد، واستمرارها على رغم كل العوائق والمشكلات، يؤشر الى بقاء صرح وطني من اعمدة الكيان، كما يقال عن مؤسسات كبرى، رافقت تشكل الدولة فارتبطت بها ولم يعد ممكناً فصلها عنها. ويقال عن مؤسسات أنها صمام أمان للبنان، ومؤسسات يعتبر صمودها مؤشراً لحيوية البلد، حين كانت النقابات على سبيل المثال تعبر عن مطالب أكثرية اللبنانيين. وقد جمعت اللبنانية الطلاب من كل الطوائف فكانت حركتها الطالبية في موقع الفعل وساهمت في تطوير الجامعة، الى وظيفتها العلمية والأكاديمية.
وحين يكتب عن الجامعة اللبنانية وقضاياها اليوم، اخفاقاتها ونجاحاتها، فذلك يرفع من شأن هذه المؤسسة الأكاديمية وقيمتها. وهي مؤسسة تعاني من الانقسام والتدخل السياسي وغياب الشفافية ومخالفات فرضتها تقاليد دخلت عليها بعد الحرب، وإن كان بعض كلياتها وفروعها لا تزال تتميز بمستوى أكاديمي وعلمي رائد. لكن بقاء الجامعة ومسؤولية تطويرها ومعالجة ملفاتها، يساهم في الحفاظ على البلد. فمنذ أن أنشئت الجامعة قبل 64 عاماً كان صوتها حاضراً ومخاضها متجدداً دوماً، قبل ان تصبح جامعة كبيرة تضم نصف طلاب لبنان في التعليم العالي. وليس العصر الذهبي أو العصور الذهبية التي مرت على الجامعة تختصر السجال عن قيمتها، ففي كل المراحل، كان النقاش مادة تساهم في تطويرها، ان من زاوية نقدية أو مطلبية أو نقابية، أو على علاقة بإدارة شؤونها تنظيمياً وأكاديمياً.
والجامعة اللبنانية مصدر قوتها، النقاش في شؤونها، وهو يعكس جانباً من اهتمام الرأي العام والثقافة وقطاع التعليم العالي بموقعها ودورها ووظيفتها، وان كانت سابقاً مكتملة بمجلسها ومجالس أكاديمية ديموقراطية للوحدات والفروع، وقوانين تمنع التدخل السياسي في شؤون الجامعة. ولذلك كنا نشهد على وجود هذه الجامعة في المساحة الأوسع لبنانياً، طالما ان حركتها الطالبية في ستينات وسبعينات القرن الماضي، حققت انجازات نوعية، ونقلت الجامعة إلى موقع أكاديمي متقدم في التعليم العالي، نافس أهم الجامعات التاريخية في لبنان.
وعلى رغم كل ما أصاب الجامعة، بعدما كانت تتمتع باستقلالية أكاديمية وإدارية وديموقراطية، الا ان المحافظة عليها لاستعادة دورها واجب أكاديمي ووطني، وإن كنا لا نرى فيها تلك الجامعة التي خرجت آلاف الطلاب في اختصاصات مختلفة يشهد لها، وساهموا في نهوض المجتمع والدولة. هي اليوم تصارع، بفعل المحسوبية والسياسة والسيطرة، لكن الجامعة لا تستطيع الاستمرار من دون بقاء صورتها التي نشأت عليها أساساً بنجاحاتها واخفاقاتها، بسلبياتها وإيجابياتها.