يتفق ديبلوماسيون غربيون في باريس معنيون بشؤون المنطقة على ثلاثة امور أساسية تتعلق بحركة الاحتجاج الشعبية الواسعة والمتنامية التي يشهدها لبنان وهي:
اولاً: ان دولاً وجهات غربية مهتمة بمصير لبنان كانت تتمنى منذ أشهر وخصوصاً منذ تعطيل عملية انتخاب رئيس جديد للجمهورية ان ينتفض الشعب اللبناني ويثور علناً احتجاجاً على الأوضاع السياسية والاقتصادية والمعيشية والاجتماعية والأمنية المتدهورة بشكل غير مسبوق عوض ان يكتفي بالشكوى والتذمر أو ان يلجأ الى الانطواء على الذات أو الى الهجرة ويستسلم لليأس قرفاً. وقد رحبت هذه الجهات الغربية بصورة غير معلنة بالحركة الاحتجاجية العابرة الطوائف من غير ان يكون لفرنسا أو أميركا أو اي دولة أخرى دور في تفجيرها.
ثانياً: ان ما يجري في لبنان ليس ثورة شعبية مماثلة للثورات الشعبية التي شهدتها وتشهدها دول أخرى أبرزها سوريا والعراق ومصر وتونس وليبيا واليمن، وليس حركة احتجاجية عابرة بل انها انتفاضة شعبية حقيقية تملك مقومات الصمود والتطور بأشكال متنوعة وقد فجرتها عوامل عدة أبرزها: المشاكل الحياتية المتراكمة مثل النفايات والكهرباء والماء والخدمات العامة الغائبة، والعجز الواضح للدولة ومؤسساتها عن معالجة قضايا الناس، وفشل الافرقاء اللبنانيين في الاتفاق على الحلول المطلوبة لاعادة الحياة الطبيعية الى لبنان ومؤسساته وانقاذ اللبنانيين من معاناتهم.
ثالثاً: هذه الانتفاضة ليس لها أفق سياسي واضح بقطع النظر عن جديتها واصالتها وشرعية مطالب المشاركين فيها، والتي يؤيدها أو يتعاطف معها اللبنانيون عموماً. فهي ليست قادرة على التحول عملية شعبية – سياسية قوية ومنظمة ضاغطة تحدث انقلاباً في المشهد العام وتمهد لتبديل الاوضاع جذرياً ولتغيير تركيبة النظام ومرتكزاته ولقيام نظام جديد. وليس كافياً المطالبة برحيل الحكومة أو باجراء انتخابات جديدة أو باسقاط الطبقة السياسية بكاملها من أجل إحداث التغيير الكبير المطلوب. ويمكن القول ان توقعات المحتجين ومطالبهم أكبر بكثير من قدرتهم على تحقيقها.
ولاحظ مسؤول أوروبي مطلع “ان المحتجين يركزون في الواقع حملاتهم على نتائج المشاكل العميقة التي يواجهها لبنان لكنهم يتجاهلون الأهم أي الأسباب الجوهرية لهذه المشاكل. ذلك ان العقدة الكبرى التي تكبّل البلد وتمنع انتشاله من ازماته وتنفيذ مطالب الناس وانهاء معاناتهم هي وجود فريق لبناني مؤثر مرتبط ارتباطاً وثيقاً بجهات اقليمية يمنع قيام دولة حقيقية متماسكة قوية بمؤسساتها الشرعية ويستغل الساحة اللبنانية من اجل محاولة تحقيق مطالب حلفائه الاقليميين في الدرجة الاولى بقطع النظر عن انعكاس ذلك سلباً على أوضاعه وأوضاع اللبنانيين عموما. وهذا الفريق المعروف يملك قدرات عسكرية وتسلحية كبيرة ويتصرف بها في الداخل وفي سوريا وفي التعامل مع اسرائيل خارج ارادة الدولة ومؤسساتها وبالتنسيق مع حلفائه الاقليميين. وهذا الفريق يتجاهل الدستور نصاً وروحاً ومتطلبات النظام الديموقراطي ويضع اللبنانيين أمام أحد خيارين: إما انتخاب مرشحه لمنصب رئيس الجمهورية واما بقاء هذا المنصب شاغراً الى موعد غير محدد. وهذا الفريق يعرقل وجود وحدة وطنية حقيقية تقوم على اساس الحوار والتفاوض بين الافرقاء اللبنانيين وتقديم التنازلات المتبادلة وانجاز التسويات المقبولة لانهاء الأزمات والمشاكل ويسعى الى محاولة فرض شروطه ومطالبه على اللبنانيين الذين دفعوا اثماناً باهظة لموقفه هذا”.
وخلص المسؤول الاوروبي الى القول: “الخطأ الذي يرتكبه المحتجون انهم يحمّلون جميع الافرقاء والقيادات من غير تمييز المسؤولية المشتركة عن انهيار الأوضاع في لبنان. وهذا ليس صحيحاً أو دقيقاً. والتحول الكبير بل التغيير الأساسي يمكن أن يتحقق في لبنان عندما ينتفض الكثير من اللبنانيين أو الغالبية منهم على هذا الفريق المعرقل ويضغطون عليه لتصحيح توجهاته وأعماله ومواقفه ودفعه الى اعطاء الاولوية لتحقيق المصالح الحيوية للبنانيين من اجل منع سقوط البلد في الهاوية. وما لم يحدث هذا التحول الكبير سيظل اللبنانيون يعانون ويعيشون ضمن اطار ادارة ازماتهم وليس العمل جدياً على حل هذه الأزمات”.