أهالي العسكريين المخطوفين يحلِّلون ويجمعون المعلومات: مَن هم الذين عمدوا، تحت جناح الحراك المدني، إلى تحطيم مخيَّم الأهالي في رياض الصلح؟ وهل كان التخريبُ مقصوداً؟
أيّاً يكن الأمر، بدأ الأهالي بإعادة بناء المخيّم و»باللحم الحيّ». ويقولون: «هناك مماطلة في ملف المخطوفين. ونحن ناقمون. لكننا نحاذر أن نكون جزءاً من زعزعة الاستقرار. أنظروا إلى مشهد المواجهات المقلق خلالَ الحراك المدني واتّعظوا. هناك أيدٍ تعبث بالبلد».
الأهالي في أفواههم ماء. لكنهم هذه المرّة بدوا قريبين من «بقِّ البحصة». وتسألهم، فيجيبك المتحدث باسمهم حسين يوسف: «بتنا مقتنعين بأنّ جهاتٍ في الداخل لا تريد إنهاء الملف. هناك مَن يريد استثماره. وهناك مَن يرفض أن تنتهي الأزمة إلّا على يديه، لكي يستثمر في الحلّ… وحتى اليوم ما زلنا نتحفَّظ عن كشف هذه الجهات… لكننا في الوقت المناسب سنعلن الحقيقة»!
والعامل الوحيد الذي يريح الأهالي هو التطمينات التي يحصلون عليها من رجل الثقة لديهم، اللواء عباس إبراهيم: «المخطوفون لدى «النصرة» بخير، وكان الاتفاق معها وصل إلى تحديد الزمان والمكان. لكنها عرقلته في اللحظة الأخيرة.
وأما المخطوفون لدى «داعش» فلا معلومات عنهم. وفي تقدير المتابعين أنّ المشكلة في مسألة العسكريين المخطوفين التسعة لدى «داعش» تكمن في أنّ الجميع يحاذر شُبهة التعاطي معها.
وحتى قطر وتركيا اللتان يجرى اتهامهما بدعم التنظيم تتنصّلان منه. وأعلنت أنقرة أخيراً انضمامها إلى التحالف الدولي العامل على ضربه. ومن الصعب إيجاد وسيط يعترف بأنّ له رصيداً لدى «داعش».
لكنّ الأمر مختلف مع «النصرة». وفي الأشهر الأخيرة قام ذوو العسكريين بزيارات لأبنائهم في جرود عرسال. ويعتقد البعض أنّ مكان احتجاز هؤلاء ليس في الجرود، بل في داخل البلدة.
وثمّة ظنون بأنّ «النصرة» تأخذ المخطوفين إلى الجرود، حيث يتمّ توزيع صورهم مع أهاليهم على الإعلام، ثمّ تعود بهم إلى داخل البلدة. إلّا أنّ أيّ تأكيد لهذه الظنون غير متوافر. وفي مطلع حزيران الفائت، وزَّعت «النصرة» شريط فيديو يُظهر خمسة من العسكريين المخطوفين على متاريسها، يقاتلون معها.
في تلك الفترة، بلغت الوساطات ذروتها وكادت تنجح في إنهاء الملف. وتبلَّغ المعنيون أنّ عملية التبادل باتت قيد التنفيذ بين ساعة وأخرى، بوساطة قطرية وتركية.
وتقضي الصفقة بتحرير العسكريين الـ16 لدى «النصرة»، مقابل فدية تتكفَّل بها قطر، قال البعض إنّ مقدارها 16 مليون دولار. لكنّ آخرين قالوا إنها تصل إلى 30 مليوناً، وليس واضحاً إذا كانت ستتكفَّل بها قطر وحدها أم يشاركها آخرون.
وتتضمّن الصفقة إطلاق خمس سجينات لـ»النصرة» من رومية تختارهنّ بالأسماء، وبينهنّ علا العقيلي زوجة المسؤول في «النصرة» أنس شركس المعروف بـ«أبو علي الشيشاني»، والعراقية سجى الدليمي الزوجة السابقة لزعيم «داعش» أبو بكر البغدادي، واللبنانية جمانة حميّد، من عرسال، التي ضبطها الجيش أثناء قيادتها سيارة مفخخة. وتردَّد أنّ الاتفاق يقضي بإجراء التبادل على الأراضي التركية.
لكنّ الاتفاق تعطَّل فجأة. وفي بعض المعلومات أنّ السبب اقتراح «النصرة» تنفيذ العملية على مراحل. فهذه البرمجة الممرحلة أثارت شكوكاً لدى المفاوض اللبناني من نكوث «النصرة» بوعدها، ووقف العملية عند المرحلة التي تناسبها، أيْ ما أن يجري الإفراج عن سجينة أو اثنتين هما هدفها الأساسي من الصفقة.
في المقابل، تعتقد أوساط أنّ «حزب الله» هو الذي يعرقل من خلف الستارة أيّ صفقة للتبادل، لأنه مستفيد من استمرار الملف عالقاً في الوقت الحاضر. فالمخطوفون ينتمون إلى الجيش وقوى الأمن، وهم من طوائف ومذاهب مختلفة.
ولذلك، فاستمرار الملف يخدم «الحزب» من خلال:
1- إبقاء الجيش والقوى الأمنية في وضعية متشنّجة مع الحالة الإسلامية السنّية.
2- إبقاء الطوائف كافة، ولاسيما السنّة، ناقمةً على التطرُّف السنّي.
3- تبرير القتال الذي يخوضه «الحزب» ضدّ التكفيريين في سوريا.
ويتوقف البعض عند التزامن بين تعطيل الصفقة وتسريب الأشرطة التي تُظهِر تعرُّض موقوفين إسلاميين للتعذيب في رومية. فالتسريب هدفه التحريض المضاد، أيْ تحريض التيارات الإسلامية على الحكومة ووزارة الداخلية الواقعتين تحت إشراف الاعتدال السنّي، وتيار «المستقبل» تحديداً.
ويقول خصوم «الحزب» إنه لا يريد للصفقة أن تمرّ إلّا إذا قطف حصته منها، علماً أنه، هو نفسه، أنجز عمليات تبادل للأسرى والجثامين مع «النصرة» في تشرين الثاني و»داعش» في كانون الأول 2014، من دون التنسيق مع الدولة.
حتى الآن، ذوو العسكريين يحاذرون الدخول في مهاترات السياسيين ومناكفاتهم، ولا يحبّذون إطلاق الاتهامات السياسية بعرقلة الملف. لكنّ الكيل بدأ يطفح. وقد يفيض بـ»قشَّة» لا يقيم أحدٌ وزناً لها، وفي لحظة تفاجئ الجميع.