اكتسب عيد المرأة في لبنان هذا العام رهجة متميّزة، تكوّنت من اقتحامها سوق السياسة العامة، من بابها الواسع، مجلس النواب.
فلأول مرة منذ قيام الحياة التمثيلية والنيابية في لبنان عام ١٩٢٤، تُظهر المرأة اللبنانية هذا الزخم من الاهتمام، بما هو مستثنى من تاء التأنيث، كالوزير والنائب والمدير والضابط، وكل الوظائف العامة، التي لطالما كانت حكرا على الرجل، بحسب قواعد العرف والعادة…
هذا الاقدام ليس جديدا، لكن ما من سابقة توازي من حيث أعداد المرشحات، الرقم الذي تحقق هذه المرة.
مئة وإحدى عشرة مرشحة، من أصل ٩٧٦ مرشحا لهذه الدورة الانتخابية… رقم كبير ونسبة عالية، تثير الاعجاب أكثر مما تثير التعجب، اللبنانيون اعتادوا على رؤية المرأة في برلمانهم بالثوب الأسود، ابنة شهيد أو أرملة شهيد، لكن منذ مجلس ١٩٩١، تغيّر المشهد مع انتخاب بهية الحريري، فستريدا جعجع، وجيلبرت زوين.
قبل تلك المرحلة كانت الحياة السياسية ذكورية بالمطلق، حيث يقال: رجل سياسة أو رجال السياسة، وليس في المفردات المستعملة مكان لتاء التأنيث، وكانت الحياة السياسية كما الاجتماعية، وحتى الدينية، تعتبر المرأة ظلّ الرجل، بحسب الفيلسوف برنارد شو، وان عليها ان تتبعه لا أن يتبعها….
اليوم اقتربنا أكثر من نظرية هتلر القائل: اعتمد في السياسة على النساء، يتبعك الرجال تلقائيا….
وقبل التقدم الى النيابة، المرأة اللبنانية موجودة في حقول الفكر والصحافة والاعلام، والقوانين، حتى انها وازت الرجل، وربما تجاوزته في القضاء والمحاماة.
والآن، رغم تطور التكنولوجيا الرقمية، وظهور الفايسبوك وتويتر وانستاغرام والواتساب، ما زالت المرأة الوسيلة الأسرع لنقل الأخبار، كما يقول علماء الاجتماع…
وسيزداد الاعتماد على هذه الوسيلة الاخبارية أكثر في المعركة الانتخابية الحاضرة، لسبب موضوعي، يتمثل باحتكار الاعلام المرئي والمسموع والالكتروني لسوق الاعلانات الانتخابية، واقتران السيطرة على هذا الحقل، بفرض أسعار خيالية على الدقيقة، تتراوح وفق المتابعين، بين ألف دولار في برامج البث المباشر وعشرة آلاف في النشرات الاخبارية المسائية، ناهيك عن الصفقات التي تتناول تغطية الحملة الانتخابية بكليتها، حيث تصبح الأرقام فلكية…
على أن لهذه الخاصية الاعلامية جانباً ايجابياً مزدوجاً: عودة الاهتمام الى الاعلان الصحافي، واراحة الناس من وجوه منظّرين سياسيين لطالما ملأوا الشاشات وأفرغوا صبر المشاهدين، بعدما صار الأثير انتخابيا، ولمن يدفع.
وقد لا يكون في هذا غلط، ونحن في جمهورية يراها البعض من ورق، يعيش فيها السارق دون قلق، ويكسب المال دون عرق، وينام المسؤول فيها دون أرق، لأن القانون فيها وجهة نظر،
أو حبر على ورق، كما يظنّ المغالون…